توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البعض يموت مرتين

  مصر اليوم -

البعض يموت مرتين

بقلم - سحر الجعارة

آخر سؤال يمكن أن يطرحه الإنسان، فى قلب عواصف التكفير، هو السؤال عن «تجديد الخطاب الدينى»! فمن منا يملك «شجاعة» تمكنه من رفض «إسلام الفقهاء» الذى نتبعه كالقطيع؟، ليتورط فى تهم من عينة: (الانضمام إلى جماعة القرآنيين، ورفض السنة كمصدر ثانٍ للتشريع الإسلامى). إنها تهم تحرّض على المطالبة برأسك، أو -فى أحسن الأحوال- بالحجر عليك!

لقد سلّمنا عقولنا -طواعية- لنجوم التطرّف، نأخذ عنهم «إسلام السوشيال ميديا» المعلب فى دولارات «يوتيوب»، دون أى مراجعة لرائحة المصالح، التى تفوح من «مباخر علماء» يفصّلون الفتوى على مقاس انتمائهم المؤقت!

حتى أصبح قانون «مصادرة الآخر» منهجاً فكرياً لديهم، ومن لم يتعظ ببرامج «الترهيب»، ينتظره مصير الدكتور «نصر حامد أبوزيد» «النفى من الوطن»!

«علماء يوتيوب وتيك توك» لديهم بضاعة يروجون لها، إنهم يعملون فى مساحة لا تقبل التنازل عن الأفكار الصدئة بزعم أنها للسلف الصالح.. وبالتالى أى محاولة للاجتهاد تُهدّد مصالحهم مباشرة.

الساحة لم تكن تتسع من قبل لكتاب عنوانه «المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء».. فتمّت مصادرته، الكتاب كان للمفكر الإسلامى الراحل «جمال البنا»، الذى لم تفلح حملات التشويه فى إدخال «الرعب» إلى قلبه، ولم تثنه عن نشر الكتاب الصدمة (جناية قبيلة «حدثنا»)، الذى يعالج قضية «رواة الأحاديث النبوية» أى من سماهم «قبيلة حدثنا»، فى محاولة لتنقية السنة النبوية المطهرة من إسرائيليات لا أصل لها، ومئات الأحاديث عن «الغيب»، وهو ما تقوم به السعودية حالياً.. لكنه كان سبباً فى تكفيره آنذاك.

لقد أكد «البنا» فى مقدمة كتابه أنه: (لا يقصد «السُنّة»، لأنها العمل والمنهج والدأب والطريقة، ولكنه يعنى الأحاديث الشفهية، التى تناقلها المحدثون عبر 150 عاماً قبل بدء التدوين)، لكن المتربّصين بأى محاولة اجتهاد لم يقرأوا الكتاب ولا حتى المقدّمة!

«البنا» سرد -فى كتابه- الكثير من الأحاديث والوقائع، خلاصتها أن النبى -صلى الله عليه وسلم- والصحابة نهوا عن «تدوين» الأحاديث حتى لا يكون هناك كتاب آخر للمسلمين غير المصحف الشريف.

لقد عاش «جمال البنا» ومات زاهداً، لم يكن لديه ما يخسره «لا ولد.. ولا منصب ولا ثروة»، ولد لأب يبيع الأسطوانات، وهو شيخ معمّم فتربى داخل «مكتبة» هى كل ثروة أسرته الفقيرة.. وتربى مع شقيقه «حسن»، مؤسّس «جماعة الإخوان»، دون أن يمسسه جنون الدعوة وشره السلطة!

فى مذكراته المنشورة، قال «جمال البنا»: إنه تمرد على فكر جماعة، فكان يرى دائماً أنه تعلم ما لم يتعلمه «حسن»، وألّف من الكتب ما عجز «حسن» عن تأليفه.. ولهذا رفض أن يكون «ابنه الروحى».

لم يكن «جمال» متديناً فى طفولته، ولم يحفظ القرآن، كانت طفولته «مدنية».. ولهذا كان يرى «الإخوان» متخلفين فى القضايا التى تتعلق بالمرأة، والسياسة، والمسيحيين، وغيرها.

كان يعارض شقيقه دائماً، وحين سمعه يُردّد شعار (الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا، الله غايتنا والقرآن دستورنا والرسول زعيمنا)، ألف كتاب «ديمقراطية جديدة» ليرد على فكر الإخوان.

كان مؤمناً بالإنسان، مناضلاً وسط العمال، يرفض الحياة «البرجوازية».. و«برجوازية الكتابة»، التى تعتمد على «التقليد» تحت شعار أكاديمى!

وفى مذكراته -المشار إليها- فك شفرة تسليح الإخوان، وتكوين جيش من خلال فرق الكشافة والجوالة، بزعم تحرير مصر من الإنجليز وتحرير فلسطين.. وكشف النقاب عن أسرار مهمة ومثيرة عن «جماعة الإخوان» ويومياته فى المعتقل.

كنت أحب هذا الرجل، أشعر كلما قابلته كم هو «مضطهد» بقدر ما هو «مستنير»، كنت أشعر أنه فى عمر التسعين لا يزال طفلاً يعانى الحرمان من اللعب بالدراجة مثل رفاقه.. يعانى سطوة شهرة أخيه التى دفنته حياً، يشعر بالغربة فى عالم ضيق الأفق، لا يجد للاجتهاد مبرّراً.. عالم يسيطر عليه «بيزنس الدين».

كان -رحمه الله- يعشق الإمام «محمد عبده»، الذى اعتبر وجوده دليلاً على قوة الدين الإسلامى وبساطته، لكونه مجتهداً ومبسطاً وليس عقيماً ومنفراً.

لكن ارتكب ذنباً لا يُغتفر، فصدامه الدائم مع رجال الدين كان كفيلاً بتكفيره ووصمه بالزندقة.. واغتياله معنوياً!

دعاوى تكفير «جمال البنا» وجدت فى آرائه المتعلقة بالقبلات والتدخين فى نهار رمضان سبباً كافياً لإقامة «حد الحرابة» عليه.. لكن «جمال» لم يتراجع عن أفكاره ولم يتنصّل منها، وقال: (يقول النص القرآنى: «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ»، ويتضح من الآية أن هناك كبائر إثم وفواحش يجب ألا يقع فيها الإنسان، وهناك شىء آخر يُسمى «اللمم»، وبمجرد أن طرحت نتيجة بحثى واجتهادى خرجت دعاوى التكفير الكبرى ضدى).. تختلف أو تتفق مع الرجل لا يهم، فلن تحرمه «أجر الاجتهاد»، لكن من اغتالوه حياً ودفنوا ذكراه ميتاً أغلقوا «باب الاجتهاد».. ليحكمونا بأفكار متشددة!

لقد كان «جمال البنا»، رحمه الله، يكره عملية الفتوى والمفتى والمستفتى ويقول للمستفتى: (استفتِ قلبك واقرأ واطلع لكى تعرف).. فاقرأوا التراث الفكرى لرجل لم نعرف قيمته إن عثرتم عليه.. حتى لا يكون مات مرتين!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البعض يموت مرتين البعض يموت مرتين



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon