إذا كان رب البيت فاسداً، فشيمة أهل البيت الصراع.. صراع محموم على موقع «كبير العائلة»، الذى يجسد «النظام الأبوى» الذى يرتكز على الرجل باعتباره الشخصية الرئيسية للسلطة المركزية للتنظيم الاجتماعى، حيث يمتلك الآباء سلطة على النساء والأطفال والممتلكات.
النظام الأبوى أو النظام الذكورى بالإنجليزية: Patriarchy هو تنظيم اجتماعى يتميز بسيادة الذكر الرئيس (الأب) وتبعية النساء والذريّة له بما فيه التبعية القانونية، ويفترض التوريث واستكمال الانتساب لذكور من السلالة، متوسلة -عادة- بالأعراف والتقاليد. ويُقصد بها الاستحقاق وهيمنة شخص -غالباً ذكر- يشير لكبير العشيرة أو القبيلة، كالأب فى العائلة.. وكذلك يستخدم المصطلح للإشارة لسلطة الذكور على النساء تحديداً.. ولعل أوضح مثال على هذه التركيبة الاجتماعية هى العائلات العريقة فى الصعيد وريف مصر التى اشتهرت بعدم توريث البنات، (حتى لا تذهب الثروة لرجل من خارج العائلة)، وبتوارث المناصب القيادية - السياسية فى القرى والبلدات الصغيرة «العمدة، النائب البرلمانى».. ولهذا تسمع عادة فى المسلسلات التى تناقش توارث السلطة حتى المنتخبة منها عبارة: (العمودية فى بيت فلان).
نحن أمام نفس النموذج مع اختلافات بسيطة وهى انتقال نموذج العائلة المرتكز على الثروة والسلطة معاً وهيمنة الأب إلى المدينة، وإن كانت تعتمد فى أعمالها غير المشروعة على تجارة الآثار التى تظهر عادة فى صعيد مصر وبنفس التنظيمات التى تحرك هذه التجارة المحرمة.
يمنح الأب فى مسلسل «بيت الرفاعى» نجل شقيقه «فاروق الرفاعى- أحمد رزق» الوصاية على كل ممتلكات العائلة بعد رحيله لتبدأ إراقة الدماء فى «بيت الرفاعى».
وكأنه شرط ضرورى لاستمرار مسلسل الدم الذى بدأه الأب بقتل «والد فاروق»، فالابن الصالح «ياسين - أمير كرارة» لا بد أن يستبعد لأنه يرفع شعارات الإصلاح وتنظيف ثروة العائلة من المال الحرام: إنه توريث السلطة والثروة يتجسد فى واقعية مؤلمة.. وكأن التغيير لن يأتى إلا بالأسوأ!.
الدكتور «ياسين» يجد نفسه متهماً بقتل والده ويبدأ رحلة الهروب وهو يعيد اكتشاف كل من حوله «العم - سيد رجب» يناور ويتآمر لإحساسه بأنه الأولى بالوصاية، الأب قتل «والدة فاروق»، فاروق يحمل حقداً دفيناً على مورّثه الذى رفض تزويجه ابنته «رقية - ملك قورة» وكأن على «ياسين» أن يصحح كل أخطاء الماضى ليصبح جديراً بالوصاية على العائلة.
يلتف الغرباء حول «ياسين» فى رحلة هروبه فى إشارة إلى أن البسطاء عادة يلتفون حول صاحب اليد النظيفة، ويخرج من كل الأزمات بفضل مساعدتهم فى الوقت الذى يتآمر ضده زوج طليقته.. وتسانده فى رحلة البحث عن البراءة «سامية - ميرنا جميل»، وترافقه وتقع فى حبه وتحل محل الصديق والأخ والأم.
هل يمكن أن نعتبر العمل إسقاطاً على الصراع على السلطة بشكل أكبر؟؟.. ربما.
بدأت مشاهدة العمل وأنا أنتظر كيف يمكن لأمير كرارة أن يخرج من عباءة «المنسى» ويصنع لنفسه بطولة جديدة بانفعالاته الهادئة ونظراته الحائرة، والحقيقة أنه مأزق لأن دور «المنسى» فى مسلسل «الاختيار» كان مرتبطاً ببطولة واقعية للعقيد «المنسى» عاشها الجمهور وتألم لحظة اغتياله وبالتالى كانت الجماهيرية مرتبطة بشخصية واقعية نجح «كرارة» فى تجسيدها.. فى «بيت الرفاعى» كان عليه أن يتحدى نفسه معتمداً على نموذج رمز الخير الذى يقدمه وقد نجح فى الوصول إلى قلوب الجماهير.. ولكن سيبقى «الاختيار» علامة فارقة فى مشواره الفنى لأنه الأقرب إلى قلوب الناس.
أما «أحمد رزق» فقد تفوق على نفسه وعلى نجاحاته السابقة، الغضب والحقد الدفين والمزايدة على أبناء وبنات العم والاستئثار بـ«الثأر» ليصبح لديه مبرر قوى للتخلص من «ياسين»، ونهم الاستحواذ على النساء والذى جسد فيه ببراعة شديدة ضعفه أمام «رقية».. نظرات جبارة قدمت لنا «رزق» جديداً.
ومع تصاعد الأحداث سوف تكتشف أن كل العناصر النسائية فى العمل مقهورة وقليلة الحيلة باستثناء، (سامية وجمالات)، وهذه إحدى سمات «النظام الأبوى» أن تستسلم «رقية» مثلاً للزواج من «رزق» رغم أنها تعلم مدى شره.
سوف يبقى الصراع بين الخير والشر هو التيمة الرئيسية للإبداع والدراما، لكن المهم هو المعالجة الجديدة التى تنشر إضاءات سريعة على تغير المجتمع حول أطراف الصراع (الضابط يحيى وقصة فصله من العمل نموذجاً).
مسلسل «بيت الرفاعى» من تأليف المخرج بيتر ميمى، وإخراج أحمد نادر جلال، وبطولة أمير كرارة، أحمد رزق، محمد لطفى، أحمد فؤاد سليم، سيد رجب، عايدة رياض، ميرنا جميل، رحاب الجمل، ملك قورة، إيناس كامل، صفاء الطوخى وحمدى هيكل.