بقلم - سحر الجعارة
أعلم أن كثيراً ممن يعرفوننى جيداً كنصيرة للمرأة، ومحسوبة على الحركة النسوية لن يعجبهم هذا المقال.. لكننى «إنسانة» تركت قلبى يحس بمشاعر الطفل، فاضطهاد الأب هو اضطهاد للطفل نفسه.
قاموس الزواج المصرى لا يعرف الآية الكريمة: «وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف» (229- سورة البقرة)، الزواج فى مصر «إمساك» بقوة القانون، أو بالقهر والضرب والإذلال.. أما الطلاق فلا يعرف «الإحسان»؛ إنه معركة حربية يستبيح فيها أهل الزوجين كل الطرق غير المشروعة للتنكيل بالآخر، من: (قائمة المنقولات، النفقة، المؤخر، منزل الزوجية، حضانة الأطفال).. والغريب أن كل طرف يقول: (حقى شرعاً وقانوناً)!.
فجأة يتحول الطفل، الذى تكوَّن من امتزاج دماء الزوج بالزوجة، إلى «ورقة مساومة»، وكأنما جلس الطرفان على طاولة قمار، يعبثان بنفسية الطفل ومصيره، وأسلوب تربيته وتعليمه.. إنه الورقة الأخيرة فى معركة الثأر والعناد الذى لا تبدده عشرة ولا لحظة دفء جمعت الزوجين فى فراش كان قمة سترهما.فى مصر أكثر 4 ملايين طفل لأبوين منفصلين، معظمهم فى حضانة الأم، التى تشتعل مخاوفها من خطف الأب لضناها، وترفض أن يراه إلا فى (القسم أو النادى)!.
أما الأب المطلق فقد خسر أطفاله وفوقهم شقة الحضانة، وأصبح يتسول حق رؤية أطفاله لأنه (مدان إلى أن يثبت العكس).. وسبق أن قُدمت اقتراحات كثيرة لمشروع تعديل قانونى على مواد الرؤية، لتحويلها إلى استضافة، (حيث يتمكن الطرف غير الحاضن للطفل، الذى يكون فى معظم الأحيان الأب، من رؤية أبنائه وقضاء الوقت معهم يومين فى نهاية كل أسبوع، وشهراً كاملاً سنوياً فى إجازة الصيف).. لكن الدنيا قامت ولم تهدأ حتى الآن.
وكأن الطفل «سبوبة» والأب «فيزا كارد» عليه أن يمول حياته دون أن يمارس أبوته إلا من خلف القضبان، وما على الأب إلا أن يتابع صور ابنه وينشرها على صفحة «بابا بيحبك» على «الفيس بوك» ويحتفل بعيد ميلاده ونجاحه فى «العالم الافتراضى: (القانون يمنح الآباء حق الرؤية 3 ساعات أسبوعياً حتى الوصول إلى سن الحضانة بإجمالى 90 يوماً فقط خلال 15 عاماً)!.
صحيح أن التعنت بين المطلقين من الجانبين، وأن المرأة تدوخ على أبواب المحاكم لتحصل على حكم «النفقة».. لكن كيف يطاوعها قلبها أن تربى ابنها «شبه يتيم»؟قانون الأحوال الشخصية قديم منذ 1929، وتم تعديله كثيراً، وأصبح مليئاً بالثغرات والعيوب، ونحن لا نريد قوانين (ذكورية أو نسوية)، نريد قانوناً عادلاً منصفاً يراعى مصلحة الطفل ونفسيته فى المرتبة الأولى.
مشروع القانون يكتمل إذا ربطنا الاستضافة بالإنفاق الطوعى، وإذا لم يكن للأب سوابق إجرامية تهدد بخطف الطفل أو تهريبه خارج مصر، ومن الممكن إعطاء الأم الحق فى وضع الأطفال على قوائم الممنوعين من السفر أسوة بالأب، لتشعر بالأمان والاطمئنان على طفلها.
الاستضافة ليست حقاً للأب بقدر ما هى حق الطفل نفسه، فإذا كانت سن الحضانة تصل إلى 15 سنة، فكيف نتصور «مراهقاً» يتربى من دون أب يمر معه بتلك المرحلة الحرجة؟!.
للأسف الصراع بين المطلقين هو نفسه الصراع بين الحركة النسوية والرجل، فالرجل دائماً فى «قفص الاتهام»، وكأن المطلوب منه أن نجرده من أبوته لأنه أوقع الطلاق حتى لو تسببت فيه المرأة أو حصلت عليه خلعاً.
أتصور أن علينا إجراء مناقشة مجتمعية لنخرج بقانون واضح لحضانة الأطفال طبقاً لقوله الله تعالى: «لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ».. (الآية 233 - سورة البقرة).