«الإنسان - الرمز» لا يسكن خانة الدفاع عن نفسه، (عن مواقفه ودعمه للإنسانية ورسالته لنشر الحب والتسامح والسلام)، إنه يكتفى عادة بأن يكون طبيعياً بعيداً عن التصنع والافتعال وفبركة الأخبار.. مهما حاول تيار «الإسلام السياسى» النيل من مصر بهدم رموزها السياسية والفكرية والفنية والرياضة.
أتحدث عن رمز البطولة والنجاح والتفوق «محمد صلاح»، نجم ليفربول الإنجليزى ومنتخب مصر، الذى يتربص به الإخوان ومريدوهم وجمهورهم على السوشيال ميديا، والذى يتعرض كل عام إلى حملة شرسة وقذرة من الإخوان والسلفيين، خصوصاً قرب احتفالات الكريسماس، فى محاولة لاستخدامه كأداة لتكفير المسيحيين وتحريم الاحتفال بأعياد الميلاد وكذلك للهجوم الشرس على الغرب الذى يحتضن فلولهم الهاربة من مصر ورغم ذلك يكفرونه ويهيلون عليه التراب!.
«حزب الكراهية» يحاول أن يغرس فى نفوس الشباب أننا فُطرنا على التعصب، وأن إيماننا لا يكتمل إلا بالتفتيش فى عقيدة الآخر، وشق صدور البشر لتحديد موقعهم فى خانة «الإيمان» وفقاً لأحكامنا ومقاييسنا والكتالوج الذهنى الذى صممناه بأنفسنا.. ثم نقف فى المرآة ونردد ببلاهة: «أنا مؤمن والباقون كفار»!.
«مو صلاح» لا ينطبق عليه كتالوج الكراهية ونفى الآخر ومصادرة الحريات ونشر العنف والتطرف، إنه إنسان متسامح «طبيعى» ليس له أعداء، محب للحياة وللبشر، يحتفل بالهالوين مع أطفاله، أو يذهب مع زملائه ومدربه فى الفريق، إلى مستشفى للأطفال فى ليفربول ليحتفل معهم بعيد الميلاد، وهو ما أثار جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعى.
النجم الأشهر هنا يكرس فكرة «المحبة» فى نفوس ملايين من المحبين والمتابعين، سواء لمرضى الأطفال أو لأعياد المسيحيين (وهذه جريمة فى نظرهم)!.
المحبة والتسامح مع الديانات الأخرى تفسد مشروع الإسلام السياسى، القائم بالضرورة على الفتنة الطائفية لتفتيت الأوطان ونشر الكراهية وبث الفرقة والصراع والتمزق (وهو الدور الذى يتولاه «أبوتريكة بجدارة»).
«أطفال غزة يموتون».. هذا عنوان الهجوم العنيف الذى شنته اللجان الإلكترونية للإخوان على صلاح بسبب احتفاله بعيد الميلاد مع الأطفال فى ظل الحرب فى قطاع غزة.. بينما جميع فريق الهجوم ينعمون مع أطفالهم بالسكينة والأمان وأولهم السافل الوقح «محمد ناصر» الذى قاد الحملة والذى لم يترك «شخصية مصرية وطنية» إلا وحاول تشويهها بالأكاذيب والافتراءات.
ماذا يفعل «محمد صلاح» لأطفال غزة أكثر مما فعل: الفيديو الذى ندد فيه بالحرب الوحشية، وتبرعه بـ100 مليون جنيه مصرى؟!!. أطفال غزة مسئولية قادة حماس «إسماعيل هنية وخالد مشعل ويحيى السنوار»، هؤلاء من أعلنوا الحرب على دولة نووية وقادوا هذه الحرب الانتحارية من فنادق أوروبا والعواصم العربية، وقرروا أن تكون الخنادق والملاجئ لقادة كتائب «عز الدين القسام»، وتركوا الأطفال والعجائز والمدنيين العزل تحصدهم آلة الحرب الجهنمية.
«صلاح» مسئول فقط عن مصيره ومصير أسرته، عن تحقيق طموحه ورفع اسم بلده والانحياز للإنسان فى ظهوره العام.. حتى التبرع كان اختياره ولم يكن مجبراً عليه.. «محمد صلاح» إنسان حر لا أحد يملك أن يقاسمه مواقفه أو يملى عليه اختياراته.. نحن فقط نتقاسم معه البهجة ونحن نتابعه فى الملاعب.
لكن كون صلاح «لاعباً دولياً» وواجهة لمصر جعل منه «صيداً سميناً» لأعداء مصر أعداء الحياة «الإخوان والسلفيين»، من الفتاوى التكفيرية التى كانت من نصيب «صلاح» لأنه سجد شكراً لله بعدما أحرز هدفاً، فطالبه الداعية السلفى «هشام البيلى» بـ(التوبة وترك كرة القدم).
وهنا يجب أن نتوقف طويلاً لأننا نسمع نفس الآراء التى أدت إلى اغتيال المفكر «فرج فودة».. حول «اللباس الشرعى» للاعب الكرة، وتحريم لعب الكرة نفسها.. وبحسب نص كلام «البيلى» فقد ارتكب «صلاح» عدة معاصٍ، منها أنه: (قد كشف عن فخذيه.
وربما ضيّع بعض الصلوات، ودخل فى «مقامرات!»، وأقر الاختلاط فى المدرجات بين النساء والرجال بما يترتب عليه من «زنى!» ومن حرق وسفك للدماء فى الملاعب).. وعليه فقد قرر «البيلى» أن «محمد صلاح» لا يمثل الإسلام، وأنه يرتكب معصية، وعليه أن يتوب، ويترك اللعب، ويتعلم «العلم الشرعى»!!
والحقيقة أن التصدى لأفكار السلفيين، والمطالبة بحل الأحزاب الدينية التى ترعاها الدولة خلافاً للدستور، قد أصبح مهمة سخيفة، وعبئاً نفسياً يتجدد -كل يوم- مع انفجار «لغم جديد» فى وجوهنا.. وفكرة تجاهل الدولة لغلق منابر السلفيين على الشبكة العنكبوتية أصبحت مستفزة.. والكاتب منا لا ينوبه إلا التشهير بسمعته من اللجان الإلكترونية السلفية.. دون أى «غطاء رسمى» يشير على الأقل إلى أننا -فعلاً- فى «دولة مدنية» تستحق أن ندافع عنها!.
فى كل موقف يتعرض «محمد صلاح» للتصفية المعنوية وماكينات «اغتيال الشخصية»، مثلما يحدث للبعض منا، أكتشف أن مصر سوف تظل مستهدفة بقائدها ورموزها واقتصادها وعلاقاتها الدولية.. وأن العدو أشرس مما نتخيل.. لكننا نسدد ضريبة الوطن راضين.