بقلم - سحر الجعارة
«هو» من قال فى كتابة العزيز: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ».. وهو من جعل الإسلام يبقى حوالى 1400 لنصبح مسلمين اليوم.. وما كان إيذاء الرسل والأنبياء إلا اختباراً للتقوى والقدرة على توصيل الرسالات الإلهية.. الله ليس عاجزاً عن حماية الإسلام!.
لكن بما أننا «خَير أمةٍ أُخرِجَت للنّاس» فقد احتكرنا لأنفسنا الحق فى قتل اليهود والمسيحيين «حتى يؤمنوا».. وإن توقفنا عن القتل لم نتوقف عن السب بأفظع الألفاظ والتكفير والبغض (هكذا تعلمنا من بعض الجهاديين التكفيريين)!.
كيف تحول شاب «عربى مسلم» من فرد هاجر بحثاً عن مجتمع أفضل يحترم حرية الإنسان ويؤمن بالتعددية الدينية والسياسية وينبذ العنف، إلى قاتل لا يعترف بحرمة الكنيسة «بيت من بيوت الله» ويعتدى على قِسٍ آمِن يؤدى دوره ويعظ المصلين؟.
هل هو تراث البخارى الذى أراق دماء الأبرياء بحديث (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى)؟.. أم النصوص الدينية التى تحلل: (أكل الميت إن كان مسيحياً أو يهودياً أو كافراً)؟!.
ما الذى فعله الشاب الذى طعن الكاهن «مار مارى عمانوئيل» بسكين بشكل مباغت، فى كنيسة سيدنى، سوى أنه اطلع على تراث فقهى مفخخ بفتاوى القتل ومرصع بالجنة الموعودة، وحين توفرت لديه الفرصة تحول إلى سفاح.. نحن لسنا بعيدين عن هذا الواقعة المؤلمة، ليس لأننا عرب مسلمون فقط بل لأن القاتل ينتمى إلينا وقرأ ودرس ما درسناه واستمع لنفس شيوخنا وأئمتنا.. وقد سبقنا كل الدول فى الوصول إلى مرحلة «القتل على الهوية» باستهداف الأقباط والصوفيين؟ فى مصر.. وصلنا إليها -ببساطة- لأن بيننا من كفّر الأقباط والشيعة علناً!.
حتى أصبح بيننا من «يقتل باسم الله»، ويحسب أنه يدافع عن دين الله، هذه ليست أول مرة.. حدثت محاولة اغتيال للرسام الكاريكاتير السويدى «لارش فيلكس»، الذى وضع رسوماً ساخرة للنبى محمد، وتوفى فى حادث مرورى جنوبى السويد؟ وارتاح الجميع لفكرة أن الله اقتصّ لكرامة النبى بوفاة الرسام.. إذن دع الله يدافع عن دينك (إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا).. هنا سوف تجد التفسيرات بأن الله «اختاره» للدفاع عن الإسلام باستهداف القساوسة وكل من يتجرأ على التطاول على دينه.. رغم أنه هو نفسه من أطلق أبشع الألفاظ على اليهود (أحفاد القردة والخنازير).. وعلى المسيحيين شركاء الوطن (لا تبدءوا اليهود والنصارى بسلام، هذا حكم شرعى، فإذا كان لك جار نصرانى، أو زميل نصرانى فى العمل، أو يهودى فلا تبدأه بسلام على الإطلاق، إنما ابدأه بأى صيغة، كأن تقول له: صباح الخير.. «أبوإسحق الحوينى».. أما ياسر برهامى فيقول: يجوز للمُسلم نكاح اليهودية والمسيحية بشرط أن يكرهها ويغتصبها ويعاملها كمسبية الحرب!).
نحن لدينا «خطاب دينى» عنصرى بامتياز، يغرس فى وجدان الأطفال المسلمين منذ الصغر أنهم «الأفضل»، وأن المسيحى «كافر»، ومع الكبر تستمر تغذية النزعة العدائية، (خطاب دينى «إقصائى»، يلقى بالطفل المسيحى فى الفناء حتى يتمكن نظيره المسلم من تحصيل «حصة الدين»)، فإذا سقطت حرمة المدارس سقطت حرمة الكنائس، وقدسية حق الفرد فى الأمن والسلام.
هذا الخطاب أفرز شباباً «يكره فى الله» ببضعة أحاديث ضعيفة وآيات مبتسرة من سياقها وتفسيرات «تكفيرية».. ومشايخ يرفعون شعار: «ثروتى قبل دينى».. وهلاوس حول جنة لن يصلوا إليها.. حادث سيدنى يدق ناقوس الخطر: سارعوا بالإصلاح الدينى وانشروا «ثقافة المحبة» لتقضى على حزب الكراهية.