«أكبر عقوبة لتارك الصلاة هى حرمانه من الصلاة».. هذه العبارة للداعية الإماراتى «وسيم يوسف»، المعروف بخروجه عن القطيع وإثارته للجدل وسبق أن تعرض لطوفان تكفير اجتاح حتى أسرته وهدد حياته بإهدار دمه «كالعادة مع كل المجددين»!
أتصور -وهذا حقى- أن الحفاظ على الشعائر الدينية فى الديانات الإبراهيمية هو سر بقائها حتى الآن، فلو تخلى الإنسان عن الصلاة بأماكنها (المسجد، الكنيسة، الكنيس) لأصبح ترك الصلاة نفسها مستساغاً، القصد أن «المظهر الجيد» يحافظ على المضمون، (ولا يتضمن هذا الرأى استعراض الإسلام السياسى لقوتهم فى الشارع).. ربما لهذا حرص رجال الدين فى الأديان الثلاثة على «الترهيب» من ترك الصلاة والبعد عن بيوت الله.
بالنسبة للإسلام، فأغلب أركان الدين «سرية بين العبد وربه» ولا توجد عقوبة دنيوية عليها، الشهادتان (شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله) لا تحتاج لإشهار، «إيتاء الزكاة» بعد أن اختفى «بيت المال» فى الدول الإسلامية أصبحت الزكاة أيضاً يتم إخراجها بلا رقيب، وصوم رمضان (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به)، وحج البيت «لمن استطاع إليه سبيلاً».. إلا «الصلاة» وحدها بقيت محل خلاف وتكفير لتاركها وتهديد بإقامة «حد القتل» بعد الاستتابة.
الرأى الأكثر شهرة وجماهيرية فى حتمية قتل تارك الصلاة بعد استتابته وتركه ثلاثة أيام هو رأى «محمد متولى الشعراوى»، أفتى الشعراوى بقتل تارك الصلاة فى فيديو شهير قائلاً: (فى البداية نسأل الشخص الذى لا يصلى لماذا لا تصلى؟ فإن كان منكراً للحكم يُقتل حداً، يكون كافراً، وإن كان كسلاً يُستتاب ثلاثة أيام ثم يُقتل)!.
وفى تعليق للدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، على فتوى الشعراوى قال: (إن القرآن الكريم لم يفسره أحد؛ حتى عندما اجتهد الشيخ محمد متولى الشعراوى فى تفسيره إياه لم يطلق عليه لقب تفسير ولكنه أطلق عليه «خواطر»، وذلك لكونها اجتهادات منه فى آرائه وأفكاره، موضحاً أن فتاوى الإمام الشعراوى كانت مستمدة من رأى الفقهاء وتوجد فى الأساس بكتب الفقه القديمة وتدرّس بالمدارس الفقهية.
وأكد «الهلالى» أن فتوى «الشعراوى» بقتل تارك الصلاة مستمدة فى الأصل من جمهور الفقهاء بكل أسف، مشيراً إلى أن تلك المسائل منها ما يؤدى لفتنة طائفية، مثل حرب غير المسلمين، وهى موجودة بالأساس بكتب المذاهب ويؤخذ منها ويرد.
أما دار الإفتاء المصرية، فقد أوضحت، على لسان الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، فى حكم تارك الصلاة، إن تركها معصية عظيمة، خاصة أنها الركن الثانى من أركان الإسلام، وعماد الدين.. (لذلك تركها يعد من كبائر الذنوب، وينصح من وقع فى هذه الكبيرة أن يبادر بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والحفاظ على الصلاة).. ولم يشر «وسام» إلى استتابة أو إقامة لحد القتل.. بل ويؤكد على صفحات جريدة «الوطن» أن: (مَن يتركها كسلاً وهو مؤمن بفرضيتها لا يجوز تكفيره) ملحوظة: هذه ليست دعوة ولا تحريضاً على ترك الصلاة.
فقط أسأل لماذا قامت قيامة الداعية «وسيم يوسف» على السوشيال ميديا، والتشهير به وقذفه بالكفر رغم أن ما قاله هو نفس رأى دار الإفتاء المصرية؟
قال وسيم يوسف خلال مقطع فيديو بثه عبر حسابه على موقع X: «لن تجد فى القرآن قط عقوبة لمسلم ترك الصلاة، لأن الصلاة تأتى بالحب والله لا يجبر عبداً على حبه، الله عز وجل لم يخاطب تارك الصلاة من المسلمين بل خاطب مَن كفر بالصلاة»، يقصد الآيات التى تذكر عقوبة تارك الصلاة.
وأضاف وسيم يوسف، خلال المقطع المثير للجدل، الله تكلم عمن كفر بالصلاة لكن لم يخاطب قط مسلماً ترك الصلاة، الله قال: «ما سلككم فى سقر قالوا لم نك من المصلين»، فهذه عن الكفار، والدليل أن الله ختم الآية: «وكنا نكذب بيوم الدين»، مضيفاً: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ، هنا يتكلم الله عمن كفر بالصلاة، لكن لم يخاطب الله قط مسلماً ترك الصلاة، لأن الصلاة يريدها الله أن تُقبل عليها حباً، ولو ذكرها الله فكأنه يجبر المسلم على حبه والله لا يجبر أحداً على حبه.
الخلاصة: إننا أمام مدرستين فى الدعوة إلى الله: مدرسة «الترهيب» وتغليظ العقوبات الدنيوية «دونما سند من القرآن» باعتبار أن السنة ثلاثة أرباع الدين.. ومدرسة «الترغيب» التى تدعو إلى الله بالحب والخشوع وهى المدرسة التى يرفع فى وجهها كلمة «التكفير» التى تعنى ببساطة أن دمك قد أُهدر فى عالم مفخخ بألغام التنظيمات الإرهابية، وأنت سطرت اسمك فى «قائمة الاغتيالات» بكل أسف.