توقيت القاهرة المحلي 03:44:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

متلازمة حسن الصباح

  مصر اليوم -

متلازمة حسن الصباح

بقلم - سحر الجعارة

ثمة شيء ما تغير فى الشخصية المصرية، التدين الذى وصفه جمال حمدان بأنه إحدى أهم سماتها («التدين» على رأسها، وهو مردود لحضارتها الزراعية، بكل ما يتصل بها من سمات الصبر والدأب والجَلَد والتحمل، ثم المحافظة، نتيجة للاستقرار وبسببه)، تحول إلى «تدين شكلى»، يلتزم فيه الإنسان باللحية والنقاب، ويجرى خلف الخرافات، ويُضفى «قدسية» على مَن يعتبرهم «رموزاً»، سواء كانت كتباً أو أشخاصاً، وهو يخوض حرباً ضروساً فى قضايا خلافية ومذهبية.. كل هدفها استرداد الجزء المفقود من «الهوية المصرية» بالتعالى على المذاهب والأديان الأخرى.. والتفوق فى مناظرات غبية تستهلك العقل والجهد.

هذا الصراع الذى لا ينتهى حول ماهية الرمز وما الرموز الوطنية والتاريخية والدينية والفنية.. إلخ، يحتاج منا لوقفة من وقت لآخر: كان الرئيس «محمد مرسى» مدعوماً من الله، حسب مزاعم «عزة الجرف»، القيادية الإخوانية، وكان لمدة عام يمثل مصر.. وفى هذا العام تبدّلت كتب التاريخ لتجعل من «حسن البنا» أسطورة، ومن «زينب الغزالى» مناضلة.. كانوا «رموزاً»، بينما كنا نراهم خونة وتجار أوطان وعصابة تفرض «الفاشية الدينية».. فمن الذى يُحدّد «الرمز» وصفاته ومواقفه.. إنه «مَن يكتب التاريخ».

وكَتَبة التاريخ بشر، لهم انحيازاتهم وأهواؤهم، يرون الواقعة وبطلها من زاوية مرهونة بشروط المرحلة التى كُتبت فيها.. لقد كان «مبارك» صاحب أول ضربة جوية، وظلت مصر ذاتها تسمى «مصر - مبارك»، ثم ثار عليه الشعب، وحُوكم وقضى أعواماً بالسجن.. فهل «الرمز» الذى سقط عن عرشه هو الأبقى أم «الثوار» الذين أسقطوه هم «الرمز».. بعد أن تم تصنيفهم عملاء ومرتزقة؟

فمن هم «الرموز»؟، إذا كان رجلٌ بقامة الدكتور «طه حسين» أصدر الأزهر فتوى بتكفيره بسبب كتابه «فى الشعر الجاهلى».. إنه «رمز» و«كافر» فى آن واحد!.ولماذا تحتل «الشخصيات الدينية» هذه المساحة «المقدسة» فى عقول وقلوب البسطاء؟؟ هل يستمد رجل الدين قدسيته من الدين نفسه، أم أنه للأسف «حرّف الدين وتركه» واستبدل به أفكاره وأهواءه ومصالحه؟؟.. خذ «عمر عبدالرحمن»، الشيخ الضرير والأب الروحى للإرهاب مثالاً، هناك مَن يعتبره «مبعوث العناية الإلهية» وقد حملت الجماهير جثمانه على الأعناق فى تظاهرة شعبية مفزعة، فهل يدخله هذا فى إطار «الرمز الدينى» الذى لا يحق لك أن تقترب منه بالنقد؟!.

وقس على ذلك: سيد قطب، ابن تيمية، يوسف القرضاوى، حسن البنا.. حتى تصل إلى مجاهدى داعش والقاعدة ومفتيهم.. أو إلى أحد «الكتب» التى يُعتبر الاقتراب منها بالـ«عقل» للفهم أو للنقد مدعاة لتكفيرك وربما سجنك «البخارى نموذجاً».هناك أيضاً مشايخ مروا على مصر، الاقتراب منهم مثل الإمساك بسلك كهربائى يصعقك حتى الموت أدبياً ونفسياً بإهانات «ألتراس شعراوى» لكن الغريب أن نموذج «الشعراوى» يتكرر مع شخص جاهل وتافه مثل «عبدالله رشدى» فيصبح كما السحر الأسود الذى لوث مياه النيل والألتراس الخاص به أقوى وأشرس آلاف المرات: «إنها متلازمة حسن الصباح» الذى زعم أن الله يكلمه وأنه يتلقى الوحى من السماء (!!).

هذه المتلازمة تنطبق على رجال السياسة تماماً كما تنطبق على رجال الدين، سوف تجد أبرز المعارك الكلامية بين أنصار «ناصر» وأتباع «مبارك».. المعزول «محمد مرسى» يصنفه التاريخ كأحد حكام مصر وفقاً لـ«الوثائق الرسمية للدولة»، رغم أن الشعب ثار عليه وأسقط الفاشية الدينية.. و«أنور السادات» بطل الحرب والسلام هو نفسه من ينسب له التاريخ «انتفاضة الخبز» و«الانفتاح الاستهلاكى».. حتى المواقف والحروب الوطنية ينطبق عليها نفس الصراع، ما بين من يبرر نكسة 76 ومهاجم لها.. وما بين مؤيد للسلام ورافض لكامب ديفيد.. تصور أننا نختلف حتى حول حليم وفريد الأطرش.. وبين فاتن حمامة وماجدة الصباح وكل محب لفنان يعتبر الدفاع عنه مسألة حياة أو موت!.

وكأنها رحلة البحث عن «وثن» وصناعة صنم نركع له فقط لنلعن الآخرين!.. فنحن لا نعرف الحوار ولا نُعمل العقل، نحب بتطرف ونكره بتطرف، ونعلق كل أفكارنا فى عنق مَن قدسناه واعتبرناه «رمزاً».

وأنت متهم دائماً بإهانة «رمز ما» سواء كان دينياً أم تاريخياً أم فنياً.. رغم أن كلمة «إهانة» هى من كلمة «مطاطية» تتطابق مع مصطلح «ازدراء»، إنها تهمة شبيهة بقانون «العيب فى الذات الملكية»، الذى تطور إلى مواد «إهانة الرئيس».. وكأن البعض يريد تحويل الوطن إلى «معتقل مفتوح».. ويمنع تنقية التراث والتعرّض لشخصياته التاريخية، وتعطيل إعمال الفكر والعقل لحسابات «شخصية»!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متلازمة حسن الصباح متلازمة حسن الصباح



GMT 08:58 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت أبيها

GMT 08:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب والتعامل مع حربَي غزة ولبنان

GMT 08:56 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الجديد الذي يمكن استكشافه!

GMT 08:55 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

يدور مع زجاجة ترمب حيث دارت!

GMT 08:54 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف فاز ترمب... ولماذا ستكون رئاسته الثانية مختلفة؟

GMT 08:52 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب صانع النجوم

GMT 08:50 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الكُتّاب والاستخدام غير الدقيق للكلمات

GMT 08:46 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الدور العائلي في فوز «ترامب»

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:37 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

مكون غذائي يساعد في تسريع تعافي العضلات بعد التمرين
  مصر اليوم - مكون غذائي يساعد في تسريع تعافي العضلات بعد التمرين

GMT 00:02 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تعود بعد 7 سنوات بمية دهب
  مصر اليوم - هيفاء وهبي تعود بعد 7 سنوات بمية دهب

GMT 05:51 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

سامسونغ تطلق نسخة جديدة من "جلاكسي فولد" القابل للطي

GMT 11:37 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات قاتلة طفليها في محافظة الدقهلية

GMT 21:22 2019 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل وفاة 35 معتمرًا وإصابة 4 إثر حادث "مكة"

GMT 00:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

رانيا يوسف تنتظر استدعاء النيابة بشأن الفيديو الإباحي

GMT 09:30 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن سلمان يلتقط صور"سلفي" في "الفورميلا أي"

GMT 07:39 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"جزر السيشل" في المحيط الهندي جنة لعشاق الطبيعة

GMT 19:26 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

طبال يبيع زوجته لـ"ثري عربي" مقابل 2000 ريال

GMT 20:52 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

المطربة ساندي تتعرض للإصابة خلال تصوير "عيش حياتك"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon