بقلم - سحر الجعارة
الضجة الشديدة التى أثارتها تصريحات الدكتور «على جمعة»، مفتى مصر السابق، ما بين الحفاوة والهجوم تؤكد أن هناك خللاً فى المجتمع، وأن الثقافة المهيمنة هى «ثقافة التكفير» ونفى الآخر.. لأن بيننا من نصّبوا أنفسهم «وكلاء الله على الأرض»، واحتكروا توزيع «صكوك الغفران» كيفما تشاء أهواؤهم أو تقتضى مصالحهم، حتى أصبح تنظيم «داعش» الذى يقتل الأبرياء ويسبى النساء ويهدم الأوطان هو رمز الإسلام، والواجهة المتطرفة التى نقدمها للعالم، لأنه لم يجد من يخرج ليكفّره، بينما احترف البعض تكفير الأقباط والمفكرين والمبدعين!
أصبح بعض المشايخ يحملون سيوفاً مسمومة لتُطير أعناق من خدموا الإنسانية، واحترفوا وصم الآخرين بالكفر والزندقة، ورفعوا أنفسهم إلى مصاف «أنصاف الآلهة».. ليقرر بعضهم (من يدخل الجنة ومن يدخل النار).. من يُقتل لأنهم قرروا أنه مرتد أو تارك للصلاة، ومن يُتوج «خليفة للمسلمين» لأن خزائنه لا تنفد من المال والذهب!لم نعد نستمع لصوت العقل ولا نتعامل بضمير حى مع الإنسانية، استسلمت الأغلبية إلى الصوت العالى ودقت طبول «غزوات تكفير المسيحيين واليهود»: («والله، والله، والله، إن المشايخ الذين يقولون للمسيحيين واليهود: «أنتم مؤمنون» ضللوهم، وما خدموهم، هيفرحوا منهم الآن ويوم الصراط سيقولون هؤلاء قالوا لنا أنتم مؤمنون، لو قالوا لنا أنتم غلط كنا فكرنا»!!.
هكذا أقسم الشيخ سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف سابقاً، محذراً المشايخ من التقاعس عن حربه المقدسة على الأقباط، أو التخلى عنه فى «موقعة التكفير».. ثم جاء بعده «عبدالله رشدى» الذى يحترف تكفير «الأقباط» ثم يحاول تبرير موقفه بأن «الكفر» بمعنى «الإنكار».. ثم يعود سريعا إلى الدور المرسوم له فيكتب على الفيس بوك أثناء احتفال الإخوة الأقباط بعيد الميلاد: (بيوت الله فى الأرض هى المساجد وليس لله فى الأرض بيوت بعد الإسلام سواها غير المساجد ويسمى «دور عبادة» وليس «بيوت الله»)!.. دون أن يراجعه أحد علماء الأزهر أو يحاكمه القانون الذى سن عشرات العقوبات لمن يهدد السلم الاجتماعى ويثير الفتنة الطائفية ويزدرى الديانات السماوية).. لماذا صدق الناس هؤلاء رغم أن الأول أحيل التحقيق والثانى مُنع من الخطابة؟؟.. هل أصبحنا نحترف «الكراهية»؟؟
حاولت بعض الأصوات المعتدلة أن تصحح الموقف (فى بلد ينادى رئيسه دائماً بتجديد الخطاب الدينى).. لكن أصواتهم كانت خافتة ولم تسلط عليها الأضواء لأن السوشيال ميديا بلجان الإخوان الإلكترونية التى تتسيدها قررت تكفير (الأم تريزا، السير مجدى يعقوب، ماما ماجى.. وغيرهم كثر)!!
ببراءة شديدة اقتحم «طفل» حقل الألغام هذا ليسأل الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: «لماذا سيدخل المسلمون فقط الجنة على الرغم من وجود أديان أخرى كالمسيحية والكتب الدينية الأخرى»؟!! هذا السؤال -لو تعلمون- مهين لكل رجال الدين فى «دولة الأزهر» منارة الوسطية!.. هذا السؤال دليل إدانة لجميع من تجاهل الفكر التكفيرى أو تواطأ معه أو دعمه وحماه.. الحقيقة أنه دليل إدانة لنا جميعاً، مثقفين ومبدعين وتنويريين: لقد فشلنا فى توصيل «الرسالة» إلى أطفال الأمة!
أجاب «جمعة» عن السؤال الكاشف الصادم: متسائلاً: «مين قال إن المسلمين بس اللى هيدخلوا الجنة؟».. أضاف «جمعة»، خلال تقديم حلقة برنامج «نور الدين»، عبر قناة «on»: «هذه معلومة مغلوطة لأن ربنا قال عكس ذلك»، مستشهداً بالآية الكريمة: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»، متابعاً: «إن الدين عند الله الإسلام»