بقلم - سحر الجعارة
يبدو أننا مطالبون كل فترة بإعادة «تحديد المفاهيم» والمصطلحات التى نستخدمها، وهى آلية متبعة فى أى بحث علمى أصبحنا بحاجة ماسة إليها الآن بسبب المفاهيم الملتبسة، فعندما نقول: «نقابة الصحفيين» فنحن نتحدث عن الجمعية العمومية للصحفيين، التى أشُرف بكونى عضواً فيها، والتى تنتخب نقيب الصحفيين ومجلس النقابة.. وما دامت الجمعية العمومية لم توافق على تظاهرة أو فعالية معينة فتلك التظاهرة لا تعبر عن «جموع الصحفيين».. معركة القانون 93 لسنة 1995، الذى غلظ العقوبات فى جرائم النشر وألغى ضمانة عدم حبس الصحفيين احتياطياً فى هذه الجرائم، هى المثال الأبرز على «الكيان النقابى» ووحدة الصحفيين.
ولأننا نقابة ديمقراطية فقد نختلف مع النقيب أو مع أحد أعضاء المجلس، نختلف فى الرأى والرؤية وسبل التعبير، الفيصل أن تكون صحفياً منتمياً للنقابة، لك صوت فى الجمعية العمومية.. وهنا أقفز إلى «سلالم النقابة» لأبين أن المظاهرات تتم خارج النقابة، حيث يحظر دخولها إلا على الأعضاء.. هل عرفت الآن أن من أساءوا إلى مصر ليسوا بصحفيين، وأنهم نفس هواة إثارة الشغب والضوضاء و«النضال الحنجورى».. والبعض منهم لا يفهمون عن حرية التعبير إلا حرية إسقاط النظام وإغراق البلاد فى الفوضى!!.
ننتقل لتصريح سابق لنقيب الصحفيين «خالد البلشى»، أكد فيه على ضرورة السعى لكسر «حصار غزة»، وأعتقد أنه بشكل قاطع كان يعنى توصيل المساعدات، بحسب بيانه فى 7 نوفمبر «نداء إلى ضمير العالم: (معاً لكسر الحصار القاتل على غزة، الذى تفرضه آلة الحرب الصهيونية الوحشية، هذه دعوة موجهة لمواجهة تحالف الإبادة الجماعية، والتهجير الوحشى، ومحاولة تصفية قضية شعب يدافع عن حريته وأرضه).. وانطلاقاً من هذا التصريح نذهب لتحديد مفهوم «كسر الحصار وفتح المعبر».
بديهى أن فتح المعبر يعنى إدخال المساعدات إلى «غزة»، وقد قامت مصر بالفعل بإدخال المساعدات، وأكثر من 80% من المساعدات الطبية والإنسانية كانت تبرعات مصرية، ومصر هى التى سعت لتحقيق الهدنة ووقف إطلاق النار بين الطرفين لتبادل الأسرى وإدخال المساعدات إلى غزة: «معبر رفح» مفتوح من الجانب المصرى، لكن سلطة الاحتلال الإسرائيلية تتحكم فى غلقه وفتحه من الجانب الفلسطينى.. إذاً «فتح المعبر وكسر الحصار» بهذا المعنى قد تحقق.
لكن يحلو للبعض استخدام هذا المصطلح بمعنى مغاير ولا يحقق مصلحة الشعب الفلسطينى، إنه يعنى فى قاموس الانتهازية السياسية تهجير الفلسطينيين وتوطينهم فى «سيناء»!!.. أى فتح المعبر أمام النازحين الفلسطينيين هرباً من الموت، وهذا معناه إطلاق «رصاصة الرحمة» على القضية الفلسطينية!.
من حق الشعب المصرى أن يثور فى وجه من يتحدث عن توطين الفلسطينيين فى سيناء، ليس كرهاً بل حباً فى فلسطين.
فما أسهل أن تحتضن مصر آلاف الفلسطينيين وتمنحهم جنسيتها، لكن بهذا تكون «الإبادة العرقية» قد تحققت لإسرائيل بقتل المدنيين وتهجير من يتبقى منهم إلى مصر (بحسب تخاريف وترهات بعض المسئولين)!.
ومصر لن تشارك فى تصفية القضية الفلسطينية، (مصر تأمل فى التوصل لحل وتسوية للقضية الفلسطينية عن طريق المفاوضات التى تفضى إلى السلام العادل وإقامة الدولة الفلسطينية.. مصر لن تسمح بتصفية القضية على حساب أطراف أخرى).. هذا ما قاله الرئيس «عبدالفتاح السيسى». فإذا كان الصراع على الوطن ملخصه «الأرض المستقلة والسيادة»، ففلسطين هناك، حيث المسجد الأقصى وشجر الزيتون تنادى شعبها، فلا يوجد وطن ولا من يتحاربون بدون «شعب»، هذا هو تفكيك الصراع وتصفية القضية.
نحن هنا أمام مفهوم أهم وأخطر فى أدبيات الإخوان المسلمين وهو مفهوم الوطن، جماعة الإخوان عملت منذ نشأتها على محاولة هدم الأوطان، وبناء «دولتهم المنشودة» (دولة التنظيم الدولى للجماعة) القائمة على «أيديولوجيا التنظيم»، فكل من هو خارج التنظيم هو خارج هذه الدولة التى يسعون منذ منتصف القرن الماضى لإقامتها على أنقاض الدول العربية والإسلامية القائمة. يقول حسن البنا، مؤسس الجماعة: «يجب أن نصل إلى أستاذية العالم، والوطن وسيلة وليس غاية»!!.
واهم من يتخيل أن مصر يمكن أن تتخلى عن حبة رمل واحدة فى «سيناء»، لا الشعب يقبل التنازل، ولا الجيش يخضع للابتزاز، ولا القيادة السياسية تفرط فى الدستور الذى أقسمت عليه.. «مصر ليست وطناً بديلاً لأحد» ولن تكون أبداً.