توقيت القاهرة المحلي 11:02:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معوقات التنوير

  مصر اليوم -

معوقات التنوير

بقلم - سحر الجعارة

لماذا يبدو مصطلح «التنوير» غريباً خارج السوشيال ميديا، وكأنه مصطلح افتراضى وُلد على الشبكة العنكبوتية ولم يدخل حيز الواقع؟.. هل طبيعة الفئات المستهدفة من التنوير حددت وجوده فى هذه المساحة أم لأنها الأحدث والأكثر رواجاً الآن، أم لأننا ركزنا رؤيتنا للتنوير فى «الإصلاح الدينى» ولم نهتم بالجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية؟.

الحقيقة أن أى تطور اجتماعى أو سياسى يرتبط بالضرورة بالدين، كشرط أساسى للانطلاق والتحرر من أغلال التحريم، وحتى لا يظل المفهوم غريباً خذ مثلاً هذه التعريفات الدينية لمصطلحات سياسية: (العلمانية كفر.. الليبرالية يعنى أمك تقلع الحجاب).. هكذا وجد أنصار التنوير أنفسهم فى مواجهة كتائب المكفراتية ودعاوى الحسبة ممن يدعون أنهم متدينون، وأصبحت كل فكرة أو قضية اجتماعية هى «معركة دينية» بالأساس: (الختان، تعدد الزوجات، الدجل والشعوذة، الطب البديل وما يسمى الطب النبوى، النقاب والحجاب، التعليم المختلط، التعليم الدينى.. إلخ).

وإذا سلّمنا بأن التنوير هو ثورة عقلية بالأساس، وتخليص للإنسان من هيمنة ووصاية رجال الدين (أى دين) فهذا يدخلك مباشرة فى صراع محسوم لصالح المؤسسات الدينية صاحبة اليد الطولى فى التشريع، والذين بيدهم أداة ساحقة للتنويريين أنفسهم، وأعنى بها المادة (98 و) من قانون العقوبات، المعروفة اصطلاحاً بقانون ازدراء الأديان.. فكيف يثور العقل فى وجه الخرافات والمعجزات التى تم تكريسها وتعظيمها حتى أصبح رجل الدين نفسه «شبه مقدس»؟.

لقد نجح الفريق الأكثر عدداً، وأعنى «تجار الأديان»، وأتباعه فى شيطنة رموز التنوير فى مختلف العصور، من «ابن رشد» إلى الحاليين، وسوف نعود لهم ثانية، وفى مجتمع كمجتمعنا يغيب فيه «الرمز الثقافى» والزعامات السياسية أصبح «التنوير» لغماً لا أحد يجرؤ على الاقتراب منه إلا رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى».

فنجد رأس الدولة يطالب مرة بتجديد الخطاب الدينى من المؤسسة الدينية الرسمية، ثم من المبدعين والمثقفين، ثم يطرح رؤيته مراراً وتكراراً بإعادة فهم المعتقد وعدم فرض معتقدك على الآخر.. ثم يسود صمت الأموات لا أحد يتحرك لتنفيذ رؤية السيد الرئيس أو حتى للسعى فى ذلك، اللهم إلا بعض المثقفين والمفكرين الذين يقتصر وجودهم على «السوشيال ميديا»!. وفى غياب شبه تام للندوات الثقافية والملتقيات الفكرية أصبح التنوير نظرياً أكثر منه عملياً.. وأحياناً يشبه «الانتحار على سبيل الاعتراض».. فأنت تقدم «فكرة فلسفية» قد تنتهى بك إلى التكفير والقتل (د. فرج فودة نموذجاً).. أو تتحدث عن العلم والتجريب فى مواجهة تراث دينى وفكرى يستند إلى مصادر شبه مقدسة، ولم يخضع هذا التراث للمراجعة أو التنقية عبر تاريخه الطويل.. فى مقدمتها صحيح البخارى، وصحيح مسلم، وكتب ابن تيمية وغيرها.

وحماة هذا التراث ليسوا مؤسسات دينية وأهلية فحسب، بل يضاف إليهم ملايين السلفيين والتكفيريين الذين جعلوا من بعض هذا المصادر مرجعيتهم النظرية فى التنظيمات الإرهابية.

هل نحن إذاً نعانى من مناخ طارد للتنوير يكره العلم والمعرفة ويعادى الحرية والتسامح ليدخل غيبوبة من صنع المؤسسات الدينية؟.. أم أن تيار التنوير لم يتمكن من «أدوات التواصل» مع الناس؟.. هل فئة الشباب، وهى القطاع الأعرض المهيأ للتنوير والمستهدف منه، قد دخلت فى «هلاوس جنسية» بفعل «عبدالله رشدى» وأمثاله.. ثم أقنعها هو وغيره بأن التنويرى زنديق ومهرطق.. أم أن الشباب المتمركز على السوشيال ميديا -نقطة وجود التنويريين- هو وحده المؤهل للإيمان بالفكر التنويرى والعمل بها وتحقيقها على أرض الواقع؟.

علاقة الشباب بالثقافة والميديا القديمة والجديدة تبدو ملتبسة وتحتاج إلى دراسة متأنية لخريطتها، فهو نفسه القادر على صناعة «الداعية اليوتيوبر» وهو الذى نجّح أغانى المهرجانات، وهو الجمهور العريض للسينما أيضاً والأكثر مشاهدة للمسلسلات؛ الأنواع السابقة من الميديا تؤكد انصرافه عن الشأن السياسى والثقافة بمعناها الواسع (وربما انخفاض مبيعات الصحف وتزايد معدلات مشاهدة المنصات الرقمية).. أما إن رأيته كيف يتفاعل مع دعاة التنوير على السوشيال ميديا وعرفت متابعته لمَن من الكتاب والمفكرين والسياسيين أيضاً.. لأدركت أن حالة الوعى العام للمجتمع فى نضج وتزايد وأن الشباب متعطش لـ«ثورة العقل».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معوقات التنوير معوقات التنوير



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon