بقلم - سحر الجعارة
نداء الفرصة الأخيرة، هكذا أرى «الحوار الوطنى» الجارى الإعداد له الآن، بناء على دعوة من السيد الرئيس «عبدالفتاح السيسى» لمشاركة كافة القوى السياسية فى رسم ملامح سياسات المرحلة المقبلة.. فكم من فرصة ضائعة أهدرتها تلك القوى بما فيها «الأحزاب القديمة»؟
تشهد ثورة 25 يناير، وما تلاها من استيلاء الإخوان على حكم مصر، بأنه حين سقط نظام «مبارك» لم يكن على الأرض جماهير منظمة إلا الإخوان، وأن ما كتبناه -فى عهد مبارك- عن «حكومة الظل» أو «البرلمان الموازى» كانت كيانات معبرة عن «نخب الأحزاب وقادتها» أكثر منها معبرة عن الشارع المصرى.. ربما أخفقت تلك الأحزاب فى التواصل الجماهيرى وخلق قاعدة شعبية لها بسبب استمرار «قانون الطوارئ» أو التضييق الآمن.. وربما كانت مثلما أرادها «السادات» مجرد «منابر سياسية» تمنحنا «ديمقراطية شكلية» فحسب.
السؤال الآن: هل الشعب الذى وصفه اللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات الراحل، بأنه غير مؤهل للديمقراطية، قد نضج على نار ثورتين متتاليتين وثلاثة أنظمة للحكم فى حوالى عشر سنوات وأصبح مؤهلاً لديمقراطية متكاملة التطبيقات؟.. تؤثر خلالها نتيجة الانتخابات التشريعية فيمن يشكل الحكومة، وتتصارع فيها الأحزاب على تداول الحكم؟
وإن كان الشعب نفسه على أهبة الاستعداد، ولديه من الوعى السياسى ما يكفى، فهل الخريطة السياسية بشكلها الحالى من أحزاب قديمة وجديدة وأحزاب دينية، وقوى لم تتبلور بعد هى الخريطة الأمثل لتنتج لنا الناخب المثالى، والقيادة الشابة، والنخبة السياسية العصرية.. إلخ؟!
قراءتى الخاصة للمشهد السياسى أن «الحصان الأسود» هو الأحزاب التى تشكل أغلبية المجالس النيابية الآن، التى تُحسب على «الموالاة» أكثر منها على المعارضة، التى ارتضت علاقة «المشاركة» فى الحكم.. وهى تحقق الصيغة الأقرب لذهنية المواطن الذى أرهقته الثورات المتعاقبة ووجد الفكر الجديد والقيادات الشابة فى هذه الأحزاب وارتبط بها فى فترة المخاض الصعب لنظام 30 يونيو.. ونجحت هذه الأحزاب أيضاً فى استقطاب بعض الوجوه السياسية البارزة من الأحزاب العتيقة (الوطنى، الوفد، التجمع، الناصرى) فحققت «مصالحة مسبقة».
لكنها أيضاً لم تنجح فى تحقيق «قاعدة جماهيرية» واسعة، وربما لا تزال تعمل بالصيغة القديمة: نائب الخدمات وتنظيم ناخبيهم.
نحن إذاً بحاجة إلى «فكر جديد»، استراتيجية تغير من نمط «المواطن الانعزالى» وتزيل تشوهات الخريطة السياسية، مع التشديد على أن دور «الدولة» هو تهيئة المناخ بالتشريعات والقوانين اللازمة، أما التفاعل بين المواطن والأحزاب والاندماج فى حياة سياسية إيجابية فمسئولية الأحزاب (فى عهد مبارك كانت الأحزاب تتلقى دعماً من الدولة!).
فى نهاية عام 2019 وجّه الرئيس «السيسى» رسالة إلى نواب البرلمان، قائلاً: «نواب الشعب عليهم مسئولية وكل أمر محل شكوى لازم يتصدوا ليه ويعملوا لجان ويعملوا تقارير ويعلنوها للناس، ولو فيه قصور من الدولة يعلنوه ويوضحوا الحقائق للناس، وهذا ليس توجيهاً لأحد».. عندما يطالب الرئيس النواب بممارسة دورهم فى محاسبة الحكومة علينا أن ندرك أن هناك خللاً.
«الحوار الوطنى» ليس مكلمة لتفريغ شحنة مكبوتة لدى البعض، إنه بالفعل «الفرصة الأخيرة» ليصبح لمصر مستقبل أفضل فى الحريات وحقوق الإنسان.. فى تكريس «دولة المؤسسات» الحاكمة، دولة الدستور والقانون.. وهى فرصة لن تتكرر لأنها مرهونة بوجود رئيس إصلاحى، راهن على شعبيته ليحقق الإصلاح الاقتصادى والآن يحتضن المعارضة ليحقق الإصلاح السياسى الذى يغير مسيرة الغد.. إنها استراتيجية طويلة المدى ليسلم الرئيس مصر وهو مطمئن تماماً لسلامتها بعد أن يتم مُدد رئاسته. نحن بالفعل فى «مفترق طرق» ويجب التعامل بمنتهى الجدية مع الطريق المفتوح أمامنا لنفرز أجيالاً تحقق ما حلمنا به.. وإن كنت ركزت -هنا- على المحور السياسى فلأنه بالضرورة يقود إلى المحورين الاقتصادى والاجتماعى.
أتمنى من كل قلبى أن تُذاع مناقشات «الحوار الوطنى» على الهواء مباشرة ليتعلم الشباب وكل المواطنين الموجودين خارج القاعات.. ونتعلم جميعاً «آداب الحوار».