بقلم : سحر الجعارة
كيف تُفسد مواطناً؟.. الإجابة باختصار أن يقبل أولياء الأمور التورط فى عملية «غش جماعى» فى امتحانات الثانوية العامة «بعبع الأسرة المصرية»، وأن يدفع الأب ثمن امتحانات تم تسريبها، وتضع الأم «الموبايل» تحت «حجابها» وتقف على أسوار المدرسة لتلقن الابن الإجابات النموذجية!
هل تتوقع من هذا الطالب أن يكون متفوقاً فى الجامعة؟ وإن تجاوز مرحلة التعليم الجامعى هل تنتظر منه النزاهة والشرف والعمل بكفاءة والعطاء للوطن وللمهنة، وتنمية مهاراته وقدراته، أم أنه سينضم إلى المشهد الشهير لصفوف الموظفين الذين يوقعون فى دفتر الحضور ثم ينطلقون إلى المقاهى، أو يفتحون الأدراج انتظاراً وابتزازاً للمواطنين.. لتصبح «الرشوة» هى الوسيلة الوحيدة لقضاء حوائج الناس الذى هو وظيفته!
فى أول تجربة لنظام امتحانات الـopen book تم تسريب الامتحانات، رغم أن درجات الامتحان غير محسوبة، والامتحان تدريبى الهدف منه القضاء على نظرية «حافظ مش فاهم».. مما اضطر الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، إلى توجيه رسالة للطلاب وأولياء الأمور، قال فيها: «إنه تم تسربب الامتحان لليوم الثالث على التوالى، وهذا دليل على أنه توجد ثقافة تتطلب مناقشتها وتغييرها معاً»، مضيفاً: «نقدر نوقف تسريب الامتحانات، ووقفناه خلال العامين الماضيين، ولكن هذا حدث بطريقة أقرب للطرق العسكرية، من خلال تدخل القوات المسلحة والداخلية وشركات التأمين، بتكلفة تصل لمليار ونصف المليار جنيه»!.
فهل المطلوب أن تُعقد لجان الامتحانات تحت «حراسة مشددة»، وأن تتفرغ القوات المسلحة والشرطة لحماية المواطنين من أنفسهم.. أن تكون رادعاً لضمائر لم تجد الوازع الأخلاقى أو الدينى، وافترضت أن «الشهادة مفتاح الحياة»، فقررت أن تعادى الدولة وتضرب بالقانون عرض الحائط، ليتخرج «المحروس» جاهلاً ومحتالاً وكذاباً.. بنى مستقبله بـ«برشامة» قد يكون كتبها ولى أمره؟!
يحاول الدكتور «طارق» تغيير منظومة التعليم، وبدءاً من العام الدراسى الحالى سيطبق النظام الجديد على طلاب الصف الأول الابتدائى، سيدرسون مواد متخصصة مثل البرمجة والإنسان الآلى، ويختار الطالب مادة من الفنون والتربية النفسية والاجتماعية.
وقال الوزير -فى تصريحات تليفزيونية- إن مناهج النظام الجديد سوف تتضمن قضايا مثل «المواطنة والتمييز والصحة والسكان والعولمة».. وإن مهارات التعليم الجديد سترفع شعار «المعرفة- العمل- نعيش- نكون».
وأوضح أن بناء المناهج يتم من خلال مركز المناهج بالوزارة، مع الاستعانة بشركات دولية «ديسكفرى- إيديوكيشن- بريتانيكا».. لتكون منظومة التعليم قائمة على «المتعلم» نفسه مثل كل دول العالم المتقدم.
لكن البعض يصر على تفريغ العقول المصرية بعملية «التلقين» بدلاً من تنمية الابتكار والعقلية النقدية القادرة على الفرز والاختيار، والبحث العلمى بفتح الكتاب داخل اللجنة واستخلاص المعلومة منه بوعى وفهم وقدرة على الاستيعاب تجعل المعلومات محفورة فى عقل الطالب مهما كبر. والوقوف ضد تطبيق منظومة التعليم الجديدة هو «هدم متعمد» للطاقة البشرية التى يُفترض أن تبنى المستقبل وأن تقود مصير البلاد.. فكيف يمكن ذلك وأنت تسرق منها «البوصلة»، وتغيبها بالغش والتدليس؟!.
وزير التربية والتعليم أكد أن امتحان نهاية العام سيكون على التابلت، لمعالجة هذه الأمراض، والأسئلة بلا تدخلات للعناصر البشرية، مؤكداً أن الوزارة ستُجرى تحقيقاً داخلياً فى هذا الأمر.. وهنا يجب أن تكون لنا وقفة مع الوزير حول «المعلم» ذاته الذى نخر فيه الفساد حتى النخاع واحترف بيزنس السناتر والدروس الخصوصية وتسريب الامتحانات!.
مستحيل أن يتطور التعليم فى مصر دون إعادة هيكلة الوزارة نفسها من الداخل، وتنقيتها من عناصر الفساد، ودون إعادة تأهيل المعلم الذى نشر ثقافة «ليه تذاكر لما ممكن تغش؟!».
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع