بقلم : سحر الجعارة
فى واقعة شهيرة جداً، عقب ثورة 25 يناير، أجرى وزير الإعلام الأسبق «أنس الفقى» مداخلة هاتفية مع إعلامى شهير، قال فيها إنه يطلب زيادة أجره من 7 ملايين جنيه فى السنة إلى 9 ملايين، وكان هذا همه الوحيد، وكان حرصه على تزايد جماهيريته وشعبيته أهم من حفاظه على مصداقية «ماسبيرو» الذى يعمل به. هذه الواقعة كانت بمثابة صدمة عنيفة للجماهير التى سلمت عقولها -آنذاك- للإعلام، لدرجة أن كل «مذيع» نصب من نفسه زعيماً وطنياً، وحوّل منبره الإعلامى إلى «سيرك خاص» يُلهب من خلاله مشاعر الجماهير، ولو بقصة «قطة» سقطت فى البلاعة، أو يلهيهم بفضائح الفنانين ويخدّم على بعض رجال الأعمال! ولكن رغم الصدمة، قبل الشعب أن يكون الإعلام هو «رأس الحربة» خلال سطو الإخوان على الحكم، وأن يلعب دوراً «تحريضياً» بشكل إيجابى ضد الفاشية الدينية، وتخيل البعض أن الإعلام بدأ يسير على الدرب الصحيح، بعد حصار مدينة الإنتاج الإعلامى ووضع كثير من الإعلاميين على «القوائم السوداء».. ولم يتصور أحد أن يعود الإعلام الذى أهدر المليارات إلى سابق عهده، وتصبح «النجومية والفزلكة» واستنساخ البرامج هى كل همّ الإعلاميين وغايتهم القصوى.
وبدأت تظهر على اليوتيوب كليبات تبرز تناقضات كل إعلامى/إعلامية، وتبرز بعض المهرجين الذين أكلوا على كل الموائد.. لكن الناس التى لم تعرف سبيلاً إلا الحرب بالسخرية من المذيعين لم تتوقع أن تتغير منظومة الإعلام بأكملها، فكانت البداية بإعادة هيكلة الأجور والتكلفة الباهظة لبعض البرامج، مع الحفاظ على أعلى «تقنية فنية» موجودة، لتظل الصورة مضيئة ومبهرة للبلد صاحب أول قمر صناعى للبث الفضائى، ثم كانت سياسة «إطفاء الحرائق» باستبعاد بعض الوجوه التى أصبحت مادة للتندر بين المشاهدين بالأداء المبالغ فيه، وتعمدت الإساءة إلى دول شقيقة وإثارة الذعر بين الناس بتأكيد شائعة أو نفى واقع.. لدرجة أن بعض هؤلاء نسوا خصمهم الحقيقى وأسقطوا من حساباتهم جماعة الإخوان الإرهابية بقنواتها، وكذلك قنوات «الجزيرة»، وتفرغوا لتصفية حسابات خاصة أو افتعال بطولات وهمية!
ومع قطع شوط من ثورة تصحيح الإعلام جاء الاختبار الأهم والأخطر، فإما أن يصمد الإعلام ويصد العدوان عن مصر أو يسقط إلى الأبد، فبدون سابق إنذار بدأت هجمة ممنهجة على نظام 30 يونيو بأكمله، تخيلنا فى بدايتها أنها «صدفة» أو حالة «غل شخصى»، فإذا بالمؤامرة تتضح مع دخول قنوات «الإخوان والجزيرة»، ووضع «منهج حرب» فى ساحة «السوشيال ميديا» لاستغلال «المقاول والحشاش» ربما ينجح أحدهما فى تحقيق ما فشلت فيه قنوات الجماعة الإرهابية لسنوات، دخل كل «الخونة» طرفاً فى «الصراع»، فـ«شهوة الحكم» لم تغادر أدمغتهم الفاسدة، والتمويل «القطرى-التركى» مرتبط بمؤامرة «إسقاط مصر».. حتى بدأ «إنذار الخطر» بالعودة إلى غوغائية الشارع مرة أخرى.. وانتشرت الأفاعى، لكن الكاميرا ضبطتهم وهم يتقاضون الثمن «كاش».
كان من الممكن أن يتجاهل الإعلام المصرى خرافات «المقاول والحشاش»، وأن يتركهما يسقطان بأكاذيبهما، وهنا ظهر الضلع الأهم فى منظومة الإعلام، وهو المواجهة بكل صدق وشفافية، ومحاربة الأكاذيب بكشف الحقائق.. ورأينا تسجيلات «بالصوت والصورة» تفضح أبعاد المؤامرة التى تحاك لمصر وتكشف أطرافها.. وما لم يكن مسموحاً من قبل ولا متخيلاً رأيناه أمام أعيننا: الإعلام المصرى ينقل ما يردده إعلام العدو، ويرد عليه بالوثائق الدامغة.. فكانت عملية حرق لكل أوراق الشائعات والأكاذيب والتزوير.. وأصبح الرهان معقوداً على «وعى المواطن» الذى وجد أمامه على الشاشة كماً هائلاً من التناقضات التى تتفنن «الجزيرة وإخوانها» فى إخراجها.. سواء بالصورة أو بالكلمة أو بانتزاع بعض العبارات من سياقها وبثها على أنها تصريح منفرد لمسئول ما.
ولأن حرب الإخوان الهمجية، «ومن خلفها تحالف قطر-تركيا»، ضد مصر لن تنتهى فما زالت الحرب مفتوحة لإسقاط مصر، سواء على الجبهة فى سيناء ضد جنود قواتنا المسلحة، أو على المنصات الإعلامية ضد جنود يؤدون واجبهم بدقه متناهية.
المهمة صعبة، فنحن نتحدث عن «إعلام حرب»، لا بد أن يلاحق التشكيك فى جدوى مشروعات مصر القومية العملاقة، وأن يلقى الضوء على الإنجازات، ويحارب -مع الحكومة- الجهل والفقر والمرض، ويبصّر الناس ويوعّيهم بحقوقهم ومشروعات العلاج التى تتبناها الدولة، وأن يلاحق الأسعار والأمطار والمدارس.. وأن يحارب التطرف بنشر الثقافة والتنوير.. إلخ.
والأهم قبل كل هذا أن يتصدى لحملة بربرية من حروب «الجيل الرابع» تستهدف إفشال مصر، حملة تمولها دول تناصبنا العداء بالمليارات، وتتخيل أن مصر، العصية على التفكيك، يمكن تفتيتها بـ«الريموت كنترول» وبشخصين أتفه من بعضهما، بلا مصداقية أو ثقافة سياسية، غير أنهم «جهزوهما».. حتى جاء الإعلام المصرى فأسقطهما بالضربة القاضية.