بقلم : سحر الجعارة
من المفارقات الغريبة أن وزارة الداخلية التى تصدر الرقم القومى للمواطنين تصر على الإبقاء على «خانة الديانة»، بينما فى إصدارها لجوازات السفر لا تذكر خانة الديانة.. رغم أن «جواز السفر» يتجاوز فى تعاملاته بطاقة الرقم القومى.. الأمر الذى يؤكد أن مخاوفنا «محلية» وأننا نعانى ازداوجية حتى فى تحديد مواصفات الإنسان داخل أو خارج البلاد!
ورغم المشاكل الكثيرة المترتبة على ذكر خانة الديانة والدعاوى القضائية التى أقامها مسلمون أو مسيحيون تركوا ديانتهم الأصلية، ثم عادوا إليها، ثم غيروا ديانتهم فى الرقم القومى بأحكام قضائية.. إلا أن المجتمع غارق فى جدل لا ينتهى حول قضية محسومة فى العالم كله، بل حسمها الدستور الذى ينص على عدم التمييز بين المواطنين على أساس «الدين»!
الوحيد الذى جرؤ على تحطيم «تابو العنصرية» المقيت كان الدكتور «جابر جاد نصار»، حين كان رئيسا لجامعه القاهرة، ورأى بعينه إقصاء المسيحيين واستبعادهم من بعض الوظائف بسبب ديانتهم.. ورغم ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى «منتدى شباب العالم»، من أن «حرية العقيدة مكفولة» حتى للادينيين إلا أننا مصرون على تفتيت الوحدة الوطنية فى «الأوراق الرسمية»!
ومن يطالب بإلغاء «خانة الديانة» يتهمونه بالزندقة، ويرمونه بالكفر والإلحاد، ويطلقون عليه أبواق سلفية متحجرة ترى أن: (وضع الديانة فى البطاقة يساعد على معرفة وكشف الديانات الأخرى غير السماوية، وحماية المجتمع من نسب ومصاهرة مخالفة).. رغم أن إثبات الديانة فى الميراث أو الزواج سهل باستخدام «شهادة الميلاد».. ورغم وجود توصية من هيئة المفوضين بـ«المحكمة الإدارية العليا»، بوضع علامة (-) أمام خانة الديانة لدى الأشخاص الذين يعتنقون الدين البهائى، وعدم قيد الديانة البهائية فى خانة الديانة بمستندات الأحوال المدنية لما يمثله من تعارض مع النظام العام.
وقد تجدد الاشتباك مرة ثانية، بعدما تقدم «إسماعيل نصرالدين»، عضو مجلس النواب، بمشروع قانون لحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومى ومن جميع الأوراق الرسمية للدولة التى يتم تداولها بين المواطنين، والاكتفاء بذكر الجنسية فقط فى البطاقة، وقال «نصرالدين»: إن «الدستور نص على عدم التمييز بين المواطنين»، مشيرا إلى أن الدساتير يتم وضعها لاحترام بنودها، وإذا اختلفنا مع نصوصها، فهناك مسار دستورى يحدد طريقة تعديلها، ولكن طالما نتعامل بالدستور الحالى فعلينا احترام نصوصه وتطبيقها.
لكن بكل أسف «الثقافة السلفية» تفرض نفسها على الدستور والقانون، و«كهنة الدين» يصرون على التمييز ضد المسيحيين، ويصرون على وصفهم بـ«أهل الذمة»، ويعتبرون حقوق المواطنة مجرد «ديكور ديمقراطى».. رغم أن ذكر الديانة فى الرقم القومى قد أشعل الفتنة الطائفية مئات المرات، وأفرز ظاهرة «عايز أختى» التى كانت تطالب باستعادة من عادت للمسيحية بعد إشهار إسلامها.. لأننا لا نعترف بأن العبادة هى «سر» بين العبد وربه، ونصر على شق الصدور ونشر «محاكم التفتيش» فى النوايا والعقول.
لو كان لدينا قانون لا يسمح بتغيير الديانة قبل سن الرشد (21 سنة)، لأنطفأت معظم نيران الفتنة الطائفية، ولو كان عندنا «مساواة» فى الوظائف العليا تمكن الجميع على أساس الكفاءة، وليس «العنصرية» لأصبحنا دولة متقدمة عصرية.. ومدنية رغم أنف السلفيين.
نقلًا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع