بقلم - سحر الجعارة
منشور مثير للجدل على موقع «فيس بوك» أثار الكثير من التساؤلات القانونية والاقتصادية والدينية، وهو ما يؤكد بالفعل أن «الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة»: شخص شهير ومحبوب وخيّر نقل منشورا عن أسرة مصدومة فى وفاة ابنها فى حادث أليم، يطالب بجمع «التبرّعات» لعمل «أكبر حاجة ممكنة - صدقة جارية» على روح المرحوم، لتجهيز غرفة عناية مركزة، وبناء مسجد، وتوصيل مياه للمنازل، التى لم تصل إليها، ودفع مصاريف لتعليم العلوم الشرعية لغير القادرين، ويتم جمع التبرعات على رقم (كذا على برنامج Instapay).
تدخّلت (زى المدب) فى التعليقات، والناس حزينة ومصدومة تذكر محاسن الشاب وتترحّم عليه لأُحذر: هذا المنشور كارثى بكل المقاييس يتضمّن كل المخالفات القانونية والدينية أيضاً.(إنستاباى): فى البداية أوضح لكم ما هو إنستاباى؟.. إنستاباى مرخّص ومعتمَد من قِبل البنك المركزى المصرى كمقدم خدمة دفع معتمد (PSP)، ويضمن ترخيص البنك المركزى المصرى للتطبيق أقصى مستوى من أمان البيانات وحماية بيانات المستهلك، ويضمن أيضاً أن جميع المعاملات باستخدام «إنستاباى» متوافقة تماماً مع تشريعات البنك المركزى المصرى.. المهم أنه أسهل تطبيق ممكن لنقل الأموال «دون رقابة»، إنه ببساطة مثل «الكاش فون»، الذى يتم عن طريق شركات المحمول.
ما عليك إلا تسجيل بياناتك وربطها برقم هاتفك الموثّق فى البنك، وبعدها تتم التعاملات مباشرة من خلال «رقم الهاتف»، ويتم التحويل فى لحظة.. أحسست أننا نعطى أفكاراً للتنظيمات المحظورة، ونسىء استخدام تطبيق عصرى أنا شخصياً أستخدمه.(الصدقة الجارية للمتوفى): قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).والصدقة الجارية: هى الأوقاف التى يوقفها الإنسان فى حياته كمسجد يبنيه، أو نخل يوقفها، أو مصاحف، أو غير ذلك من كتب العلم يطبعها ويجعلها وقفاً على طلبة العلم، أو دورات مياه يصلحها للناس؛ كل هذا من الصدقة الجارية.. «أى أن الإنسان يفعلها بنفسها قبل مماته».
أو «علم ينتفع به» يشمل الكتب التى ألفها، والطلاب الذين درسهم وما أشبه ذلك من العلم الذى ينتفع به بعد موته.. أو «ولد صالح يدعو له»، أى: ولد صالح رباه وعلمه، ونشأه فدعا له، وكذلك ينتفع بما يهدى إليه من صدقات الأحياء بعد موته، والأوقاف التى يوقفها الأحياء له، والدعوات التى يدعون له، كل ذلك ينتفع به.
صحيح أن الشائع أننا ننوب عن المتوفى ونقدم بعد وفاته، خاصة إذا كانت الوفاة مفاجئة، بعمل الصدقة الجارية، ولكن لا يصح أو يجوز أن نطالب الناس «الغرباء» أو أصدقاء المتوفى ومحبيه بالتبرّع لذلك، وإلا وجب علينا أن نُؤسس «جمعية خيرية» باسم المتوفى ونقوم بالأعمال الخيرية كما نشاء (بموافقة وتحت إشراف الجهات المختصة)!نعم، حضراتكم نسيتم وأسقطتم من حساباتكم وجود «الدولة والقانون» أصلاً!
(النصب باسم الإنسانية): جاء فى قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية برقم 84/ 2002 فى المادة رقم 76، أن عقوبة جمع التبرّعات دون ترخيص تكون بالحبس لمدة لا تتجاوز الـ6 أشهر، ودفع غرامة مالية لا تتجاوز 2000 جنيه مصرى، أو يتم تطبيق إحدى العقوبتين، ويتم تطبيق هذه العقوبة على كل شخص قام بجمع التبرعات دون الحصول على موافقة أىٍّ من الجهات الإدارية.
المؤكد أن أهل المتوفى ومن نقل عنهم لا يعلمون شيئاً عن هذا القانون ولا عن القانون المنظم لجمع التبرعات ولا عن تفسير «الصدقة الجارية أيضاً».. لكن الغريب أن البعض اعتبرنى حشرية أتدخل فى ما لا يعنينى لأنه «شأن خاص»، وليس إعلاناً لجمع التبرعات!
أما من حيث إنه «خاص» فهو إعلان يستهدف جمهور «فيس بوك» دون تمييز، تتوافر فيه كل شروط «العلانية»، والأخطر أنه يتضمّن جريمة قانونية، وقد دخل معظم البلوجرز والإنفلونسر -المؤثرين والمشاهير مجال الإعلانات على السوشيال ميديا.. وهذا ليس إدانة لأحد، فأنا أتفهم تماماً تأثير الصدمة والجهل القانونى السائد.
أعتذر إن كنت اقتحمت عزاء «فى العالم الافتراضى» لأصحح بعض المفاهيم الدينية والقواعد القانونية.. فللأسف هذه الواقعة قابلة للتكرار ألف مرة (فالتقليد هو قانون السوشيال ميديا)، وهو ما يتطلب مراقبة من البنك المركزى للأرقام التى تتلقى أموالاً غير مبرّرة.. لقد حذف الشخص المشهور البوست، لكنه لا يزال متداولاً على «فيس بوك» بكثرة، لأننا نحتكم دائماً إلى العواطف وليس إلى القانون!