لست بصدد الحديث عن مسلسل «ضد مجهول» من الناحية الفنية، وإن كان يستحق، ولا أدعى أننى من المهووسين بمتابعة مسلسلات رمضان، لكن «جوهر العمل» هو ما جذبنى لأتابعه على الإنترنت هرباً من «حرب الإعلانات» التى تحطم أعصاب أى مشاهد مهما كانت قوة احتماله.
«ضد مجهول» تدور فكرته حول مهندسة الديكور «ندى وصفى»، التى طُلقت من زوجها الأول بعد أن أنجبت منه بنتاً، بسبب طموحها الزائد، وتزوجت من محاميها لتنجب ابنة ثانية (لتدور الأحداث وسط أجواء من كيد النساء بين بطلات العمل)، وفجأة تنقلب كل المواقف حين تتعرض الابنة الكبرى للاغتصاب والقتل (!!).
وهنا يخلع المجتمع قناع «الفضيلة الزائف»، لنتعرف على عالم من «مافيا البلطجة» يسهّلون الدعارة والقتل وفبركة الأدلة وتكييف التهم على مقاس الشخص المراد اغتياله معنوياً أو جسدياً.
نكتشف أن «العدالة»، كما نفهمها ونسعى إليها، تسقط بثغرات القانون ووجود بعض المحامين ممن يتلاعبون بالأدلة، فبعد «اعتراف القاتل» يسهل أن يشوه مكان أظافر القتيلة المغروسة فى رقبته، وأن يتراجع عن اعترافاته أمام النيابة العامة.. بل ويتهم ضابط المباحث بتعذيبه وإكراهه على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها!
هنا تفرض «شريعة الغاب» نفسها على الموقف فى قلب مديرية الأمن، فالأم (النجمة غادة عبدالرازق) تلتقى بأم أخرى «ثكلى» فقدت ابنها ولم تعرف «العدالة» سبيلاً للقصاص لروح ابنها (الفنانة حنان مطاوع).. لتبدأ «كتيبة الإعدام النسائية» تحقيق «القصاص» بسيناريو ملىء بالجرائم، بدءاً من الاستعانة بالبلطجية وشراء أسلحة غير مرخصة وصولاً إلى قتل أحد المجرمين والشروع فى قتل زعيمة شبكة دعارة!
صحيح أن العمل يحاول، طيلة الوقت، أن يصدّر فكرة «سيادة القانون» من خلال زوج البطلة المحامى (يقوم بدوره الفنان السورى فراس سعيد)، لكن حتى الأخير يقوم بعقد صفقات مشبوهة لإنقاذ زوجته بل وخيانتها!
من المنطقى أن ترفض أحداث العمل، انتصاراً للمدينة الفاضلة التى تحلم بها، ولكن منتهى الواقعية أن تعترف بأن القانون فى مصر «عاجز» وملىء بالثغرات، وأن العدالة البطيئة هى «الظلم بعينه»، وأن المحامى الشريف الذى يتمسك بمبادئه وبأخلاق المهنة، والضابط الذى يحافظ على «حقوق الإنسان» ولا ينتهك آدمية المتهم قد أصبحا «عملة نادرة»، وأن تحقيق «العدل» قد يحتاج أحياناً إلى آليات وأدوات ضد القيم الإنسانية نفسها!
أنا شخصياً تجربتى فى الدعاوى المدنية (التى يتعلق معظمها بالميراث) انتهت بضياع حقوقى، بل وتعاملت مع من استغل ثقتى ليبيع حقى إلى «الخصم» (!!).. ولم أستطع إثبات شىء لأن «القانون لا يحمى المغفلين»!
لقد عايشت بنفسى تجربة «شخصية رفيعة» فى نزاعها على «شقة»، فكان الحل هو اقتحامها واحتلالها لتصل للجملة الشهيرة قانوناً: «يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء للقضاء»!
للأسف «ضد مجهول»، تلك الجملة التى تغلق ملفات الألم والمرار والفقد، ولو بتبرئة الجانى، هى التى خلقت «ميليشيات الانتقام».. وما يُعرض على الشاشة من شركات أمن، (بودى جاردات)، تمارس كل مهام البلطجة والتشهير والقتل قبل الحماية هو واقع فرضته «الثروات الحرام»، لأنها نشأت ونمت مع «مافيا الأراضى» وتجار المخدرات وغسيل الأموال والتنظيمات الإرهابية، والأخيرة دعمتها بفوضى تهريب الأسلحة!
(هذا زمن الحق الضائع، لا يُعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله، ورؤوس الناس على جثث الحيوانات، ورؤوس الحيوانات على جثث الناس.. فتحسس رأسك!).. الشاعر «صلاح عبدالصبور».
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع