لعل القارئ الكريم يتذكر ما جاء فى هذا العمود يوم السبت الماضى بعنوان: «عاجل إلى الرئيس: حتمية إعادة تشكيل مؤسسة الرئاسة»
وكان من ضمن ما جاء فى هذا العمود ما يلى:
«لا بد فى تقديرى من وجود منصب مستشار رئيس الجمهورية لشئون الأمن القومى ليقوم بالتنسيق بين مؤسسات الأمن القومى المختلفة ويشكل لجنة دائمة لمواجهة الإرهاب سواء بمحاربة الإرهابيين (fighting terrorism) عبر تصفية الإرهابيين والقبض عليهم ومحاكمتهم عسكرياً وبأشد العقوبات، أو العمل على إعادة تأهيل الشباب الذين تم العبث بعقولهم حتى يعودوا إلى الصف الوطنى (de-radicalization)، أو تجفيف أسباب ومنابع الفكر المتطرف الذى يفضى فى النهاية إلى الإرهاب (eradication of extremism). وبالمناسبة هناك تقرير دولى وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006 فيه الكثير من الدروس والآليات المقترحة لمواجهة الإرهاب».
انتهى الاقتباس من المقال الذى نشر السبت الماضى. وبعدها بأربعة أيام، أى يوم الأربعاء، صرح السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، بأن الرئيس عبدالفتاح السيسى أصدر، الأربعاء، قراراً جمهورياً بتعيين اللواء أحمد محمد السيد جمال الدين، مستشاراً لرئيس الجمهورية للشئون الأمنية ومكافحة الإرهاب.
كما أصدر السيد الرئيس قراراً جمهورياً بتعيين فايزة محمد عبدالفتاح أبوالنجا، مستشاراً لرئيس الجمهورية لشئون الأمن القومى.
وأصدر السيد الرئيس قراراً جمهورياً بتعيين السيد السفير خالد على مصطفى البقلى أميناً عاماً لمجلس الأمن القومى.
ولى عدة ملاحظات:
أولاً، من حق الرئيس أن يختار من يراه مناسباً فى أى منصب داخل قصر الرئاسة، ولا قيد عليه إلا إذا كان وعد بتركيبة معينة كجزء من حملته الانتخابية. هذه مسألة استقرت فى أعراف الحكم منذ أن سجلها «سيسرو» القانونى ورجل الدولة الرومانى من نحو 2000 سنة.
ثانياً، مستشار رئيس الجمهورية بهذه الصيغة ليس منصباً وإنما هو مهمة: مهمة إنقاذ وطن. ونتمنى لهم التوفيق لأن نجاحهم يعنى نجاحاً للوطن. وهذا ما يريده كل محب لهذا الوطن.
ثالثاً، ما أعرفه عن هذه الأسماء أنهم أشخاص لهم تاريخ طويل فى العمل فى أجهزة الدولة، ولم يسع أى منهم لمنصب، وإنما هم يُستَدعون لمثل هذه المهام لما لهم من خبرة وكفاءة. وبعض الأصوات التى تصور اختيار السيدة فايزة أبوالنجا وكأنه اختيار لمحاربة مؤسسات المجتمع المدنى أو لخنق الحرية أو للعداء مع أمريكا استدعاءً لتاريخ قديم، لا يدركون تعقيدات الموقف آنذاك فى ظل فوضى كان هناك من يريد استغلالها لغير مصلحة الوطن.
رابعاً، من حق المجتمع والرأى العام أن يعرف من مؤسسة الرئاسة نفسها لماذا تم اختيار هؤلاء الأشخاص لهذه المهام، وما الفرق بين «مستشار الأمن القومى» و«مستشار للشئون الأمنية ومكافحة الإرهاب». الغموض فى مثل هذه القرارات لا يفسَّر فى صالح القرار إلا إذا كان القرار سرياً وهؤلاء الأشخاص لن يعلَنوا على الناس بصفتهم تلك. وعادة نرى الرئيس الأمريكى أو الروسى أو الفرنسى يقف بجوار مستشاريه الجدد ويقدمهم للرأى العام موضحاً أسباب الاختيار.
بعبارة أخرى، ما صرح به السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، لا يدخل فى إطار التواصل والتسويق السياسى، لأنه لم يوضح شيئاً ولم يقنعنا بشىء، ولم يقدم هذه القرارات المهمة بالتفصيل الواجب حتى يطمئن الرأى العام لسلامة القرار.
هناك نظريتان فى التسويق السياسى: الأولى «تعالى اركب معى» والثانية تقول: «اركب معى أنا رايح المكان الفلانى علشان نعمل كذا وكذا».
النظرية الأولى تتراجع وتنتهى من العالم، ولكننا لم نزل نعيش فيها. وكأن الناس سيتعايشون مع أى قرار حتى لو لم يفهموه.
النظرية الثانية هى التى ستقلل من حجم الانتقاد غير العادل لبعض الأشخاص الذين نوليهم المسئولية بأن نقدمهم للرأى العام بالتفصيل والتوضيح الملائمين.
بالتوفيق لفريق عمل الرئيس الجديد. شدوا حيلكم. وربنا معكم.