أكتب هذا المقال قبل مباراة الأهلى والزمالك، ولا أعرف النتيجة طبعاً. ولكن ما أعرفه من حديث زملائى أن الموضوع «كبير»، وأن قيادات الناديين والمحللين الرياضيين والألتراس والجماهير تأخذ هذه المباراة على محمل الجد، ولكنه الجد الذى يقلق أحياناًَ.
عرف المصريون نمطاً من انحراف المصريين عن الهدف الأصلى للمؤسسات التى يعملون معها، أو يعملون فيها.
فالمدرسة بدلاً من أن تكون مكاناً للعلم والتعلم، أصبحت مكاناً لتلاقى العرض والطلب على الدروس الخصوصية.
المستشفيات بدلاً من أن تكون مكاناً للعلاج والشفاء، أصبحت ساحة للصراع بين أهالى المرضى والأطباء.
وهكذا فى الرياضة، بدلاً من أن تكون ساحة لبناء الجسم الرياضى والنفوس المهذبة، تحولت إلى ساحة للصراع بين ألتراس الفرق الرياضية المختلفة وصولاً إلى القتل والدماء والتدمير.
نكتب كثيراً أن الرياضة تهذيب للنفس بما يعنى تطويعها بحيث يمكن للفرد أن يتحكم فى تصرفاته وأخلاقياته، فلا يسىء للآخرين من خلال تعامله معهم، ولذلك يقال للشخص المثالى فى تعاملاته مع الآخرين بأنه شخص «مهذب». والشخص الذى يقبل الهزيمة بصدر رحب يقال عنه «عنده روح رياضية».
ويتفق الجميع على أن الرياضة بأنشطتها ومنافساتها المختلفة وسيلة لتهذيب النفوس قبل كل شىء.
ولأن المنافسات الرياضية غالباً ما تنتهى إلى فوز فريق، وخسارة الآخر كثيراً ينادى الرياضيون بضرورة تقبل الخسارة، كما يتقبل الفوز.. حتى أصبحت مقولة: «تواضع عند النصر وابتسم عند الهزيمة».. مثلاً رياضياً يتردد فى كل مناسبة. ولأن الرياضة كانت وسيلة لتهذيب النفوس، فقد كانت أحد أهم المجالات التى تؤدى إلى التعارف والتقارب بين الرياضيين.. وحتى لا تبتعد الرياضة عن أهدافها السامية، دائماً ما يحرص القائمون عليها على إبعادها عن أى خلافات سياسية كانت أو فى أى مجال آخر.
وهذا هو الأصل فى الأمور.
لكن ظهرت ظاهرة الألتراس التى أضرت كثيراً بالرياضة المصرية..
وقد راجعت أصل الظاهرة، فوجدت أن الألتراس، أو الألتراس (باللاتينية: Ultras) هى كلمة لاتينية تعنى المتطرفين، وتظهر بصورة مجموعات مشجعى الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها، وتوجد بشكل أكبر بين محبى الرياضة فى أوروبا وأمريكا الجنوبية، وحديثاً فى دول شمال أفريقيا. أُنشئت أول فرقة ألتراس عام 1940 بالبرازيل، وعرفت باسم «Torcida»، ثم انتقلت الظاهرة إلى أوروبا، وبالضبط إلى يوغوسلافيا، ثم كرواتيا، وبالتحديد جمهور «Hajduk Split» الذى كان أول من أدخل هذا النوع. وتميل هذه المجموعات إلى استخدام الألعاب النارية أو «الشماريخ»، كما يطلق عليها فى دول شمال أفريقيا، وأيضاً القيام بالغناء، وترديد الهتافات الحماسية لدعم فرقهم، كما يقومون بتوجيه الرسائل إلى اللاعبين. وتقوم هذه المجموعات بعمل دخلات خاصة فى المباريات المهمة، وكل ذلك يضفى البهجة والحماس على المباريات الرياضية، وخاصة فى كرة القدم.
ومن مبادئ الألتراس:
لا يتوقف الغناء، أو التشجيع خلال المباراة، ومهما كانت النتيجة يمنع الجلوس أثناء المباراة.
حضور أكبر عدد ممكن من المباريات (الذهاب والإياب)، بغض النظر عن التكاليف أو المسافة.
يظل الولاء قائماً للمجموعة المكونة (عدم الانضمام لأخرى).
مجموعات ألتراس عادة ما يكون لها ممثل يتولى الاتصال مع أصحاب الأندية على أساس منتظم، ومعظم هذه الاتصالات تكون من أجل التذاكر، وتخصيص مقاعد معينة بمكان جلوس المجموعة أو ما يسمى الانعطاف، أو (الكورفا أو الفيراج)، وأماكن لتخزين الأعلام والرايات (الدخلات فى تونس والجزائر والطلعات فى المغرب). بعض النوادى توفر للألتراس أرخص التذاكر، وغرف تخزين اللافتات والأعلام، والوصول المبكر إلى الملعب قبل المباريات من أجل الإعداد للعرض. غير أن بعض المشجعين الذين لا ينتمون للألتراس ينتقدون هذا النوع من العلاقة. انتقد آخرون الألتراس لقيام بعضهم باعتداءات جسدية، أو تخويف من لا ينتمى للألتراس.
ولكن ما حدث فى مصر أن استمر النمط فى انحراف المؤسسات عن أهدافها، فانتهينا إلى أن أصبح الألتراس تهديداً للسلم والأمن المجتمعى.
أرجو أن نعود إلى أصل الرياضة، وأصل هدفها حتى لا نفقد آخر ما تبقى من قيمنا.