معتز بالله عبد الفتاح
حسناً فعل الملك عبدالله، العاهل السعودى، حين قرر أن يقف فى مطار القاهرة أثناء رحلة عودته من المغرب إلى المملكة. وحسناً فعل الرئيس عبدالفتاح السيسى حين صعد إلى الطائرة والتقى الرجل ورحب به وبادله احتراماً وتقديراً باحترام وتقدير. لماذا؟
هذان رجلان يعيان خطورة المأزق الذى تعيشه الأمة العربية. نحن بصدد «سايكس بيكو» جديدة سواء بالمعنى الحرفى أو بالمعنى المجازى، سواء كان هناك من يجلس فى مكان ما على بعد آلاف الأميال كى يعيد تقسيم حدود المنطقة أو من تقاطعت مصالحه والتقت أهدافه مع أهداف قوى محلية أو إقليمية، قد تكون لها أهداف مشروعة على المستوى الإنسانى لكن يمكن استغلال أهدافها هذه لتحقيق مخطط أكبر هى لم تكن على وعى به. الرجلان يعلمان أن الأمة العربية تعيش اختبارًا لا يقل قسوة أو خطورة أو أثرًا عن اختبار رسم حدود المنطقة الذى حدث من مائة عام حين تم الاتفاق ودياً بين المستعمرين على إطلاق يد فرنسا فى المغرب العربى مقابل أن تبتلع إنجلترا مصر والسودان، وأن يتم تقسيم إرث الدولة العثمانية إلى مناطق نفوذ بحيث تكون سوريا ولبنان من نصيب فرنسا والعراق من نصيب إنجلترا، وهكذا. هناك خطر إقليمى داهم لا يتجاهله إلا ساذج وهو ما سماه الملك الأردنى من فترة «الهلال الشيعى» الممتد من إيران إلى المنطقة الشرقية فى الجزيرة العربية امتداداً إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان. نحن، العرب، فى أضعف أحوالنا يقيناً. وما كان متماسكاً، حتى لو شكلياً قبل 2011، تعرت عنه ورقة التوت بعد أن أصبح ضعف دولنا ومجتمعاتنا حقيقة يعلمها من لا يريدون لنا خيراً ويروننا فريسة سهلة كى يعيدوا تشكيل حدود دولنا.
هم يريدون منا أن نظل نتقاتل ونتقاتل، نتفتت ونتفتت. ولو بدت علامات هدنة أو هدوء أو تسوية فسيفعلون كل ما يستطيعون من أجل استمرار الحرب والاقتتال والاستنزاف. وهذا ما فعله الأمريكان حين كانوا يعقدون صفقات الأسلحة مع العراق ويبلغون إيران، عبر وسطاء، بأماكن تخزينها.
الرجلان يرسلان أكثر من رسالة:
أولاً، إنسانياً وشخصياً، العاهل السعودى لا يريد أن ينتظر حتى يزوره الرئيس السيسى فى الرياض أو جدة، وإنما يريد أن يبلغ شعب مصر ممثلاً فى رئيسه «نحمد الله على سلامتكم يا مصر ويا مصريين، واستعدوا لما هو مقبل لأن المطلوب منكم كثير».
ثانياً، قُطرياً ووطنياً، مصر بحاجة لدعم أشقائها فى فترة صعبة نعيشها ولا ينبغى أن تطول. والمملكة تدعم مصر، ليس فقد باحتياطها النقدى المهول الذى يتخطى 750 مليار دولار، ولكن بحشد الطاقة لمؤتمر أصدقاء مصر نتمنى أن يتمخض عنه فى النهاية مشروع مارشال عربى مصرى كى لا تكون مصر دُولةً بين الأغنياء أو الأقوياء من دول المنطقة.
ثالثاً، عربياً وإقليمياً، إن مصر آخر عمود فى المنطقة العربية. كان شائعاً أنه بدون مصر فلا حرب مع إسرائيل، وبدون سوريا فلا سلام مع إسرائيل. ويمكن أن أعيد صياغتها لأقول بدون السعودية لا قيامة للعرب، وبدون مصر لا وجود للعرب. وبناء عليه فإن محور «القاهرة-الرياض» مطلوب منه أن ينتشل بقية أمتنا العربية مما هى فيه.
رابعاً، عالمياً ودولياً، هذه رسالة من المملكة العربية السعودية للعالم بأن أمن مصر واستقرارها مصلحة سعودية كما هى مصلحة عربية. وخفض المساعدات الأجنبية (الأمريكية مثالاً)، أو منع توافد السياحة الأجنبية إلى مصر أو توقيع أى عقوبات من أى نوع، لن تقابل إلا بمزيد من الدعم من أصدقاء مصر الذين يدركون أهميتها لأمتها.
اللهم ألّف بين قلوبنا واجمع شتات أمرنا واجعل غدنا أفضل من يومنا. آمين.