توقيت القاهرة المحلي 08:51:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العذاب ليس له طبقة

  مصر اليوم -

العذاب ليس له طبقة

معتز بالله عبد الفتاح


الذى يسكن فى أعماق الصحراء يشكو مُر الشكوى، لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب، وساكن الزمالك الذى يجد الماء والنور والسخان والتكييف والتليفون والتليفزيون لو استمعت إليه لوجدته يشكو مر الشكوى هو الآخر من سوء الهضم والسكر والضغط.

والمليونير ساكن باريس الذى يجد كل ما يحلم به يشكو الكآبة والخوف من الأماكن المغلقة والوسواس والأرق والقلق.

والذى أعطاه الله الصحة والمال والزوجة الجميلة يشك فى زوجته الجميلة ولا يعرف طعم الراحة.

والرجل الناجح المشهور النجم الذى حالفه الحظ فى كل شىء وانتصر فى كل معركة لم يستطِع أن ينتصر على ضعفه وخضوعه للمخدر فأدمن الكوكايين وانتهى إلى الدمار.

والملك الذى يملك الأقدار والمصائر والرقاب تراه عبداً لشهوته خادماً لأطماعه ذليلاً لنزواته، وبطل المصارعة أصابه تضخم فى القلب نتيجة تضخم فى العضلات، كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو فى الظاهر من بُعد الفوارق.

وبرغم غنى الأغنياء وفقر الفقراء فمحصولهم النهائى من السعادة والشقاء الدنيوى متقارب.

فالله يأخذ بقدر ما يعطى ويعوض بقدر ما يحرم وييسر بقدر ما يعسر.. ولو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه ولرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية.. ولما شعر بحسد ولا بحقد ولا بزهو ولا بغرور.

إنما هذه القصور والجواهر والحلى واللآلئ مجرد ديكور خارجى من ورق اللعب.. وفى داخل القلوب التى ترقد فيها تسكن الحسرات والآهات الملتاعة.

والحاسدون والحاقدون والمغترون والفرحون مخدوعون فى الظواهر غافلون عن الحقائق.

ولو علمناه حق العلم لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس ولسعينا فى العيش بالضمير ولتعاشرنا بالفضيلة فلا غالب فى الدنيا ولا مغلوب فى الحقيقة، والحظوظ كما قلنا متقاربة فى باطن الأمر، ومحصولنا من الشقاء والسعادة متقارب برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات.. فالعذاب ليس له طبقة وإنما هو قاسم مشترك بين الكل.. يتجرع منه كل واحد كأساً وافية ثم فى النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف المناظر وتباين الدرجات والهيئات.

وليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة وشقاء وإنما اختلاف مواقف.. فهناك نفس تعلو على شقائها وتتجاوزه وترى فيه الحكمة والعبرة، وتلك نفوس مستنيرة ترى العدل والجمال فى كل شىء وتحب الخالق فى كل أفعاله.. وهناك نفوس تمضغ شقاءها وتجتره وتحوله إلى حقد أسود وحسد أكال.. وتلك هى النفوس المظلمة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعاله.

وكل نفس تمهد بموقفها لمصيرها النهائى فى العالم الآخر.. حيث يكون الشقاء الحقيقى.. أو السعادة الحقيقية.. فأهل الرضا إلى النعيم، وأهل الحقد إلى الجحيم.

أما الدنيا فليس فيها نعيم ولا جحيم إلا بحكم الظاهر فقط بينما فى الحقيقة تتساوى الكؤوس التى يتجرعها الكل.. والكل فى تعب.

وأهل الحكمة فى راحة، لأنهم أدركوا هذا بعقولهم، وأهل الله فى راحة، لأنهم أسلموا إلى الله فى ثقة وقبلوا ما يجريه عليهم ورأوا فى أفعاله عدلاً مطلقاً دون أن يتعبوا عقولهم فأراحوا عقولهم أيضاً، فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين، راحة القلب وراحة العقل، فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هى راحة البدن.. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم.

أما أهل الغفلة وهم الأغلبية الغالبة فما زالوا يقتل بعضهم بعضاً من أجل اللقمة والمرأة والدرهم وفدان الأرض، ثم لا يجمعون شيئاً إلا مزيداً من الهموم وأحمالاً من الخطايا وظمأً لا يرتوى وجوعاً لا يشبع.

فانظر من أى طائفة من هؤلاء أنت.. وأغلق عليك بابك وابكِ على خطيئتك.

هذا المقال من روائع الدكتور مصطفى محمود، رحمه الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العذاب ليس له طبقة العذاب ليس له طبقة



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon