توقيت القاهرة المحلي 18:32:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العرب من تخلف إلى تخلف ومن استبداد إلى استبداد ومن هزيمة إلى هزيمة

  مصر اليوم -

العرب من تخلف إلى تخلف ومن استبداد إلى استبداد ومن هزيمة إلى هزيمة

معتز بالله عبد الفتاح

نشكل نحن العرب معضلة كبيرة أمام دارسى النظرية الديمقراطية؛ ذلك أن أول افتراض لمن يريد أن يبنى ديمقراطيته هو أنه يحافظ على الدولة؛ فالحفاظ على الدولة مقدم على الحفاظ على الديمقراطية مثلما أن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة. الديمقراطية هى القائد للسيارة المسماة الدولة.
واختيار القائد بطريقة ديمقراطية لا ينبغى أن يأتى على حساب سلامة السيارة وركابها.
لكننا نحن العرب خلقنا معضلة غريبة: الشعوب إن أعطيت فرصة مطلقة لاختيار من يحكمها اختارت من لا يعرف منطق الدولة ثم عادت واشتكت من سوء تقديره وسوء إدارته.
أدت الديمقراطية الإجرائية فى حالة مصر إلى أن تدخلت جهات غير منتخبة ديمقراطياً لوقف الاستحقاق الديمقراطى الانتخابى الذى جاء بالدكتور مرسى إلى سدة الحكم حين تدخلت مؤسسات الدولة (جيشاً وقضاء ومؤسسات دينية) متحالفة مع قوى مدنية لممارسة حق النقض والحجر على رئيس أضاع كل فرصة ووقع فى كل فخ وتجاهل كل نصيحة إلى أن أصبح مثالاً مباشراً لمقولة نابليون: «السياسى الذى لا يعرف مواطن الخطر يصبح هو بذاته مصدراً للخطر».
وتتكرر المأساة فى العراق؛ حيث تتدخل قوى غير منتخبة ديمقراطياً لوقف الاستحقاق الديمقراطى الذى جاء بتحالف دولة القانون بقيادة «المالكى» إلى السلطة. يعلن المرجع الدينى آية الله على السيستانى أنه لا يقبل بوجود «المالكى» فى السلطة وتدعم وجهة نظره إيران بعد أن وجدت أن الرجل أضاع كل فرصة ووقع فى كل فخ وتجاهل كل نصيحة وأصبح مثالاً مباشراً لمقولة نابليون: «السياسى الذى لا يعرف مواطن الخطر يصبح هو بذاته مصدراً للخطر».
طبعاً دراويش الإخوان قد يقبلون هذا التحليل بشأن «المالكى» فى العراق، ولا يقبلونه بشأن «مرسى» فى مصر مع أنهما سواء، والدليل هو الخطاب الذى وجهه مكتب الإرشاد إلى الحكومة العراقية فى أبريل 2013 يحمل نفس النصائح التى لو كان التزم بها الإخوان فى مصر لما حدث ما حدث. ولكنها الحماقة أعيت من يداويها.
وفى كل الأحوال، الديمقراطية ليست معصومة من الخطأ، ولكن أخطاء الديمقراطية لا بد أن لها من آلية ديمقراطية لتصحيحها من داخلها وإلا سيتم شد فرامل الطوارئ عليها من خارجها.
يضاف إلى ما سبق ما نراه فى غزة من حكومة «حماس».
وسأحكى لحضراتكم عن اجتماع دعانى إليه أحد كبار المسئولين فى مصر فى نوفمبر 2011 للقاء أحد قيادات «حماس»، بناء على طلبه، وطلب منى وجهة نظرى بشأن ما الذى ينبغى على حماس والفلسطينيين أن يفعلوه فى مرحلة ما بعد الثورات والانتفاضات العربية ضد حكامها. هل تصدقوننى لو قلت لكم إن ما نصحته به هو نصف ما فعلوه بعدها بسنتين ونصف السنة؟ نصحته بحكومة وحدة وطنية يتركون فيها القيادة لـ«أبومازن» وألا يدخلوا فى أى انتخابات جديدة إلا رمزياً وأن يديروا كفاحهم ضد الكيان الصهيونى عبر آليات المقاومة السلمية غير المسلحة.
بعد أخذ وردّ، فاجأنى الرجل بقوله: «لو عاد بى الزمن لرفضت بشدة أن نخوض انتخابات 2005 التى جاءت بنا إلى السلطة». واعتبرها فخاً وقعوا فيه. وعدد الرجل كل السلبيات التى كانت «حماس» ترفض الاعتراف بها آنذاك. وبعد بضعة أشهر أو سنوات سيخرج من «حماس» من سيقول: لقد أخطأنا حين أعطينا لإسرائيل المبرر لقتل أهلنا وتدمير غزة مقابل صواريخ ليست بالدقة أو الكثافة النيرانية التى توجع إسرائيل حقاً.
المنطق يقول: على «حماس» أن تقتل من الإسرائيليين من تستطيع مقابل من تقتل إسرائيل من الفلسطينيين، ولكن أن تكرر «حماس» نفس منطق هزيمتنا فى 1967 حين مات من المصريين والعرب 22 ألف جندى ومات من الإسرائيليين 150، هذا يعنى أننا أناس متخلفون.
يا إخواننا: أنا أريد للفلسطينيين أن ينتصروا ولكن هذا ليس طريق النصر. مثلما كنت أقول: أريد للثورة أن تنجح، ولكن هذا ليس طريق النجاح.
إسرائيل دولة مجرمة لن تتورع أن ترتكب كل أشكال الإبادة ضد الفلسطينيين وسيحميها مجتمع دولى يعتبرها دولة ديمقراطية محبة للسلام. والعرب إن اجتمعوا فلن يضروا عدواً ولن ينفعوا صديقاً. وأنتم مصرون على أن يكون ضحاياكم بالعشرات بدلاً من الآحاد، وبالمئات بدلاً من العشرات، وبالآلاف بدلاً من المئات. ما لكم كيف تحكمون؟
لماذا انتظر صلاح الدين أكثر من 20 عاماً يوحد العرب والمسلمين قبل أن يحرر القدس؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
قلت ذات مرات: إن ديمقراطية العرب تهدد البقية الباقية من تماسك الدولة ووحدة المجتمع؛ لأنها ديمقراطية تأتى بمن يملكون شعارات ولا يملكون برامج، يملكون إذاعات وتليفزيونات ولا يملكون جامعات ومؤسسات.
وسنظل هكذا إلى أن يخرج من بيننا أشخاص أكثر عقلانية وانضباطاً وعلماً وتديناً. ناس مش هتيفة ولا حاملى شعارات وكلمات رنانة نصفق لها وكأننا نسمع لمغنٍّ أو نشاهد رقاصة.
شعوب متخلفة وسياسيون يستغلون هذا التخلف بطريقة لا تقل تخلفاً. وغاية التخلف أنك ترفض حتى أن تعترف أنك متخلف رغم أن كل أسباب التخلف بادية تماماً. أقول هذا ولا أنسى أن أقول: إلا من رحم ربى.
ومع ذلك، هذا التخلف ليس جينياً، وإنما هو جزء من بنية ثقافية وفكرية تتكاثر وتمتد تاريخياً إلى أن يتدخل أحد، عادة قائد عظيم متقدم على زمنه لا يعانى تخلف المتخلفين ويثق فيه الناس، يكون حذراً وقادراً على قراءة معضلات مجتمعه، والأهم هو توفيق ربنا فى أن يعى الفرصة وأن يسمح له أصدقاء التخلف وأعداء التقدم بأن يعالج بعض أسباب هذا التخلف.
تقول شيرى برمان، أستاذة العلوم السياسية بجامعة كولومبيا، بعد دراسة تاريخية مطولة لدول نجحت فى أن تتخلص من تخلفها:
«لا ينبغى أن تأتى لنا كمفاجأة حقيقة أن معظم الديمقراطيات الناشئة تبدو ضعيفة، هشة، غير فعّالة، غير ليبرالية، وساحة للصراعات العنيفة. العديد من تجارب الدول الديمقراطية المستقرة كانت شديدة الصعوبة فى البدايات. لقد احتاجت فرنسا، وهى مهد الديمقراطية الأوروبية، 150 عاماً من التجربة والخطأ، المليئة بالصراعات والعنف، حتى استقرت على مؤسسات ديمقراطية ناجحة».
عموماً، الأخطاء واردة تاريخياً، لكننا نكرر أخطاء الآخرين وكأننا بالفعل لا نقرأ ولا نتعلم، بل نكره القراءة ونكره التعلم، ونكره الاستفادة من دروس التاريخ.
قال تعالى على لسان سيدنا صالح، عليه السلام: «وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ» صدق الله العظيم. 
"الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرب من تخلف إلى تخلف ومن استبداد إلى استبداد ومن هزيمة إلى هزيمة العرب من تخلف إلى تخلف ومن استبداد إلى استبداد ومن هزيمة إلى هزيمة



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon