توقيت القاهرة المحلي 18:32:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عاجل إلى من بيده الأمر: رجل دولة أم سياسى؟

  مصر اليوم -

عاجل إلى من بيده الأمر رجل دولة أم سياسى

معتز بالله عبد الفتاح

درجت دراسات «القيادة» على التفرقة بين متخذى القرار المدفوعين بالشعبية والجماهيرية، وأولئك المدفوعين بالمصلحة العامة. وأُطلق على الفئة الأولى «سياسيون» وعلى الفئة الأخرى «رجال دولة». وهى تفرقة لها حظ من التاريخ؛ فمثلاً كان أبراهام لينكولن واحداً من تلك الزعامات التى نالت نصيباً وافراً من الانتقادات بل والحنق خلال فترة حكمه، بعد أن اتخذ قراراً كريهاً على معظم الأمريكيين آنذاك، وهو الدخول فى حرب مع ولايات الجنوب.
وهى الحرب التى استمرت أربع سنوات ونصف السنة، مات خلالها 625 ألف أمريكى، وكان واحد من كل خمسة أمريكيين إما مصاباً أو قتيلاً فى هذه الحرب. كان هدف الرجل هو حفظ الاتحاد من الانهيار. وكان منطقه كما قال هو: «تسيل الدماء اليوم حتى لا تسيل فى المستقبل، يموت أبناؤنا اليوم حتى يحيا أبناؤهم فى المستقبل. هذه حرب لم أخترها، ولكن لا يمكن أن أفرّ منها».
هذا الرجل آنذاك لم يكن «سياسياً» بارعاً وفقاً لرؤية معاصريه، وانتهى به الحال أن مات مقتولاً. ومع ذلك فإن جميع الباحثين والمحللين السياسيين الدارسين للأربعين ونيف من الرؤساء الأمريكيين يضعون هذا الرجل سابقاً أو تالياً لجورج واشنطن كأعظم رئيس أمريكى. كان «رجل دولة» حفظ الدولة وضمن لها الاستمرار، وإن كرهه بعض الكارهين فى حياته.
الرئيس الأمريكى جيرارد فورد كان نموذجاً للرئيس الفاشل سياسياً، رغم أن تقييم معظم المحللين له على مدى زمنى طويل أنه اتخذ واحداً من أهم القرارات التى حفظت التقاليد الجمهورية الأمريكية. وكان هذا القرار هو أنه أصدر عفواً شاملاً عن الرئيس السابق نيكسون، الذى كانت كل الأدلة تشير إلى تورطه فى حادثة التجسس على مقر الحزب الديمقراطى، ثم كذّبه بأنه لم يكن على علم بهذا.
قرار العفو عن نيكسون كان فى لحظتها وفى الأيام التالية عليه من أقل القرارات التى اتُخذت شعبية، ولكن بعد أن مرّت فترته بنجاح، ينظر الناظرون لتلك المرحلة ليقولوا: صدق فورد حين طوى صفحة نيكسون بسرعة، وجعلنا نركّز فيما هو أهم. كان «رجل دولة» حفظ التقاليد الجمهورية وتقبّل أسهم النقد كى تنجو بلاده. ولو أراد شعبية زائفة لجعلها قضية اليوم والغد، ولتحوّل إلى أيقونة «سياسية» يحبها الناس بمشاعرهم، ثم يتبين لهم لاحقاً أنهم أضاعوا الوقت والعرق والجهد فيما لم يكن منه طائل.
رئيس الوزراء مهاتير محمد كتب فى أواخر الستينات عن المجتمع المسلم فى ماليزيا فى كتابه «معضلة المالايو». لقد كان الرجل يصف مجتمعه أوصافاً اعتدنا استخدامها نحن اليوم فى وصف مجتمعنا من كسل وسلبية وعدم احترام القانون وأنانية مفرطة والتزام شكلى بالإسلام، والرضا بأن نظل دولة متخلفة. حتى إن الحزب الحاكم فى ماليزيا آنذاك منع الكتاب من التداول؛ نظراً للآراء الحادة التى تضمّنها، وأصبح مهاتير محمد فى نظر قادة الحزب مجرد شاب متمرد لا بد أن تُحظر مؤلفاته. غير أن مهاتير سرعان ما أقنع قادة الحزب بقدراته، وصعد نجمه فى الحياة السياسية بسرعة، وتولى رئاسة وزراء بلاده من عام 1981 لمدة 22 عاماً، كان فيها وقبلها «رجل دولة» بحق.
من عنده وقت فليقرأ عن «بن جوريون»، أول رئيس وزراء لإسرائيل، ليعرف كيف نجح هذا الكيان الصهيونى فى الصمود. قال عنه بيريز، رئيس إسرائيل الحالى الذى سيترك منصبه قريباً والسكرتير الشخصى لـ«بن جوريون»: حين يدخل عليك بن جوريون الحجرة فكن متأكداً من ثلاثة أشياء: أولاً، لن يطلب شيئاً شخصياً له. ثانياً، لن ينتقدك أو يشوه صورتك. ثالثاً، لديه فكرة جديدة لخدمة دولة إسرائيل.
مع الأسف هذه هى أخلاق أعدائنا.
طيب عايز إيه يا مُع مُع زهقتنا؟
أبداً، كتبت ناصحاً الدكتور مرسى أن يكون فوق السياسة وليس جزءاً من صراعاتها، لكنه بغفلة متناهية وسوء تقدير شديد، تحرك مثل الفيل الأعمى فى غرفة الخزف. المطلوب أن نتعلم من الدروس والأخطاء وهى كثيرة، وعلى رأسها:
أولاً، أين الأحزاب التى ستدخل الانتخابات المقبلة؟ رئيس الجمهورية عليه أن يكون فوق الأحزاب وليس جزءاً منها. عليه أن يقوم بعملية هندسة مؤسسية لهذه الأحزاب حتى يكون لها وجود حقيقى على الأرض. على الدولة أن ترعى عدداً من الائتلافات الحزبية وأن تدعم وجودها فى الشارع دون أن يكون رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء رئيساً أو عضواً فى أى حزب.
مسئولية اتحاد الكرة أن يدعم الأندية دون أن يحابى أياً منها. القرار فى النهاية للناخب. ولكن لا بد من وجود حزب أو عدة أحزاب قوية تمثل التيار الليبرالى وأخرى تمثل التيار اليسارى وأخرى تمثل التيار القومى ورابعة تمثل التيار المحافظ (ولا أقول تمثل التيار الدينى).
لا بد لهذه الأحزاب أن تطور من أدوات عملها وتقدم كوادر جديدة للحياة السياسية بالذات من الشباب والسيدات وإلا لا تحصل على دعم الدولة، وتجارب دول أخرى سبقتنا فى طريق الديمقراطية مثل فرنسا وكوريا الجنوبية والهند تعطينا دروساً تستحق الدراسة. ولا بد أن يتم تدريب هذه الكوادر بحيث تكون أكثر قدرة على العمل الوطنى من خلال الأحزاب وليس العمل الحزبى من خلال الوطن.
ثانياً، على المتحدثين باسم وزراة العدل والنيابة العامة أن يتحدثوا أكثر للناس لتوضيح ماذا يحدث ولماذا يحدث. السلطة القضائية إن لم تجد لها دعماً معنوياً من الرأى العام فستفقد أهم أسلحتها باعتبارها القائمة على تفسير القانون وليست جزءاً من أى حسابات سياسية. لا نريد والدولة تسعى لتحقيق الأمن أن يضيع منها العدل.
ثالثاً، وزارة الداخلية، وزارة الداخلية، وزارة الداخلية. ولن أقول أكثر من ذلك.
رابعاً، ليس صحيحاً أن أهم ما يواجه مصر من تحديات هى أمنية واقتصادية فقط. القضية سياسية فى المقام الأول. ومن يغفل عن هذا، فهو لا يفكر بمنطق رجل الدولة.
خامساً، محاولة الاستئصال دون الإحلال لن تجدى. لا يكفى وصف شخص أو جماعة بأنه إرهابى. المسألة تتطلب أن يكون هناك تصور بديل لمن يملأ الفراغ الناجم عن الاستئصال وإلا سيحل محل من يتم استئصاله ما هو أسوأ منه.
سادساً، صورة مصر فى الخارج ليست ترفاً لا يعنينا. الخارج الآن هو الاستثمار والسياحة والتسليح وشبكة التحالفات الإقليمية والدولية ومصادر التهديد المحتمل، وما أحوجنا لأن يكون كل هذا بأيدينا وليس رغماً عنا. ولكن العالم الخارجى ليس غبياً، لا يمكن أن يستقيم الظل والعود أعوج. ولا يمكن أن تكون الصورة جيدة والواقع قبيحاً.
سابعاً، الرؤية.. ثم الرؤية.. ثم الرؤية.. ومن لا رؤية له يسير مكباً على وجهه يعيش فترة حكمه فى حالة رد فعل دائم، وهنا ينجح الآخرون فى توجيهه لأنه لا خطة له، فيصبح بردود فعله جزءاً من خطط الآخرين.
اللهم إنى أحاول أن أبلغ.. اللهم إنى أكرر المحاولة منذ 2011، اللهم وفق وسدد خطانا لما فيه صالح مصر والمصريين. آمين.
"الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاجل إلى من بيده الأمر رجل دولة أم سياسى عاجل إلى من بيده الأمر رجل دولة أم سياسى



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon