«عزيزى معتز.. أحاول منذ فترة أن أراسلك وعرفت فى النهاية كيف أصل إلى صفحتك على الفيس بوك. أنا لا أحتاج مساعدة مالية ولا أبحث عن وظيفة. أنا محتاج نصيحتك. أنا عندى اكتئاب. أعطانى الله الكثير ولكن لا أشعر بأننى سعيد. أنا طموح جداً وأعمل ساعات كثيرة جداً، وأحقق نجاحات كثيرة لكنى غير راضى، وعندى ميول اكتئابية وأحياناً تكون انتحارية. ذهبت إلى طبيب نفسانى واثنين وثلاثة. يسمعون منى ويكتبون لى أدوية تزيدنى إحساساً بالعزلة عن المجتمع وشعوراً بالغربة. ذهبت إلى السيدة نفيسة، وقرأوا علىّ القرآن الكريم كنوع من الرقية والتحصين. لا تمر سوى ساعات وأعود إلى نفس الحال. نصحنى صديق مشترك بيننا أن أتواصل معك لأنه يعلم أنك ساعدت قريباً له فى مشكلة مشابهة. وقد حاول صديقى أن يصل إليك ولكنه فشل. قلت أفعلها وأغامر بهذا الاتصال. هل يمنّ الله علىّ بأن أتواصل معك؟»..
هذا ملخص رسالة وصلتنى من «أحمد». وهو يعمل فى وظيفة ممتازة، تزوج لفترة ولم يوفق.
تواصلت معه والتقينا بصحبة صديقنا المشترك.
أنا لستُ بطبيب نفسانى يقيناً، ولكن مررت كثيراً ببعض مما مر به، ولا أضمن ألا أمر بما يمر به صديقى أحمد مجدداً، ولكن «كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ». صدق الله العظيم
قلت له يا أحمد، أنت بحاجة لأن تعمل «UPGRADE» لنظام التشغيل بتاع مخك بأن تضيف له خصائص جديدة.
أنت طموح، ولكن الطموح، إن لم نضف له شيئاً من القناعة، سيتحول إلى طمع.
أنت مجتهد، ولكن الاجتهاد، إن لم نضف له شيئاً من الزهد، سيتحول إلى تدمير ذاتى.
أنت رجل تعمل كثيراً حتى تحقق ذاتك، ولكن ذاتك لن تتحقق إلا فى حدود ما كتب الله لك.
قالها الحسن البصرى: «علمت أن رزقى لن يأخذه غيرى، فاطمأن قلبى».
وكأن الرسالة: اعمل كثيراً، ولكن باطمئنان. وأحسن الظن فإن الخالق بصير، واجتهد بدأب، فإن الرزاق لا يغفل.
يا أحمد، أنت غير مطمئن لأنك تظن أن رزقك بيدك وحدك. وأغلب الظن أنك إن نجحت فستكون مثل قارون. اقرأ سورة القصص كثيراً وتحديداً الآيات من 76 إلى نهاية السورة. هذه الآيات التى تحكى قصة «قارون» تلخص لنا فتنة البحث المرضى عن المكانة، وهو اضطراب نفسى وسلوكى، له أعراضه.
يا أحمد، أضف إلى نظام تشغيل مخك مكوناً جديداً. أضف مكون الزهد. والزهد هو خلوّ القلب مما رأته العينان (فترى عيناك ما لا تملك ولكن تزهد).
أضف مكون القناعة والتى هى خلوّ القلب مما لا تملكه اليدان (فلا ينشغل قلبك بما لا تملك حتى لا تظل عبداً لشهواتك).
أضف مكون راحة البال: قال الفقير الزاهد القانع: «إننا فى راحة بال لو يعلمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف».
أضف مكون الرضا، وكرر بتأمل قولهم: «يا ربنا ليس من أمرنا إلا السكوت، يا ليتنا نرضى بما يعطى لنا حتى نموت، والمبتلى يا ذا العلا لا يبتغى إلا النجاة، فى يسرها وعسرها ملعونة تلك الحياة، نبينا به نهتدى وبه نقتضى ورضاه من رضا الإله».
أضف مكون: عيادة المرضى، اذهب إلى مستشفى لترى من ابتلاهم الله بما عافاك منه، وخذ معك بعضاً من المال. إن رقّ قلبك لأحدهم أعطه من مال الذى آتاك، ولا تبخل. وقل الحمد لله الذى عافانى.
كرر قانعاً: سبحانه وتعالى، يعطى من يشاء بفضله، ويمنع من يشاء بعدله، ولا يسأله مخلوق عن علّة فعله، ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله. سبحانه، قد يعطى وهو يمنع، وقد يمنع وهو يعطى، وقد تأتى العطايا على ظهور البلايا، وقد تأتى البلايا على ظهور العطايا، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
كان لقائى مع أحمد منذ شهور، ويمنّ الله على برسالة منه تطمئننى أنه أسعد حالاً، وأكثر استقراراً وأنه شرع مع زملائه فى جمعية صغيرة فى بلدته الريفية تعالج المحتاجين وتساعدهم على حياة أفضل. وعمل لوحة كبيرة فى مكتبه كتب عليها العبارة السابقة: سبحانه وتعالى يعطى من يشاء بفضله.. إلى آخرها.
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات.