أمريكا تعود إلى حيث كانت قبل 25 يناير: الواقعية فى الباطن، والمثالية فى الظاهر. كلام عن مثاليات للاستهلاك المحلى والدولى، ولكنها فى الحقيقة تتفاعل مع موازين القوى على الأرض. والأمر ليس بعيداً، كلام السفير الألمانى فى القاهرة بالأمس عن شراكة ألمانيا مع مصر ودعمها لها حتى لو لم يكن هناك اتفاق على كل النقاط مائة بالمائة.
أكتب لكم هذا المقال من برلين وأتابع كيف يرانا الغرب. والغرب يتقارب مع بعضه لتبنى رؤية مشتركة تجاهنا.
كتب بالأمس الأستاذ جهاد الخازن كلاماً هاماً عن زيارة «كيرى» للقاهرة:
«كيرى قال إن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة حكومة الرئيس السيسى على مقاومة المتطرفين، خصوصاً فى سيناء. إلا أنه طلب التفريق بين إرهابيين يمارسون العنف لتحقيق أهدافهم، وآخرين يريدون بالطرق السلمية المشاركة فى الحوار السياسى. الوزير أيضاً أشار إلى عودة علاقات قوية بين مصر والولايات المتحدة ما تعكسه زيادة المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر. ونُسِبَ إليه طلبه أن يسير النظام قدماً فى عملية إصلاح سياسى.
عندى تعليق على كل كلمة فى كلام الوزير كيرى، وهو حتماً أفضل من غيره فى إدارة باراك أوباما، لكن اختصر.
أولاً، الولايات المتحدة حليف استراتيجى لإسرائيل لا مصر أو أى بلد عربى، ولا حق لها إطلاقاً أن تقول لمصر ما عليها أن تفعل.
ثانياً، المساعدات العسكرية الأمريكية ليست لمصر بل هى جزء من المساعدات الأمريكية لإسرائيل، وهدفها أن تبقى مصر فى معاهدة السلام.
ثالثاً، الاهتمام بالوضع المتدهور فى سيناء هو اهتمام بإسرائيل لأن سيناء هى المنطقة العازلة بين مصر وإسرائيل والأمريكيون يهمهم جداً ألا يتحول الإرهابيون فى سيناء إلى مهاجمة حليفتهم الوحيدة فى الشرق الأوسط، رغم أنها بقيادة حكومة إرهابية محتلة تقتل المدنيين، خصوصاً الأطفال، وتدمر وتسرق.
رابعاً، كما أن أهل مكة أدرى بشعابها، فأهل مصر أدرى بما يحتاج إليه بلدهم مثل دحر الإرهاب والنهوض بالاقتصاد. كذلك هم أدرى بسبل معالجة الوضع الداخلى كله أكثر من وزير مكتبه على بعد ألوف الكيلومترات من مصر، أو دبلوماسى يكتب تقارير على أساس ما يسمع.
إذا كان لى أن أزيد على ما قال جون كيرى وما طلب، فهو أننى دعوت الرئيس السيسى فى السابق وأدعوه اليوم إلى فرض منطقة عازلة مجرّدة من البشر والسلاح على طول حدود مصر مع قطاع غزة تمتد من خمسة كيلومترات إلى عشرة، ويُقتَل كل مَنْ يدخلها من دون سؤال عن هويته.
الإرهاب، يا مستر كيرى، لا يُعالج بالديمقراطية وإنما بعنف مماثل، وحتماً ضمن نطاق القانون.
أما الذين يريدون المشاركة فى الحياة السياسية بالطرق السلمية فهم موجودون وطلبهم محق، إلا أن هناك أيضاً إرهابيين مقنعين، وأنصاراً للإرهاب يدّعون العمل بالطرق السلمية، ويتعاونون مع الإرهابيين. طبعاً بعض جماعات السلام، مثل جمعية مراقبة حقوق الإنسان، لا ترى الصورة كاملة، وإنما تدافع عن إرهابيين محتملين، وتختار فى الحديث عن قتل تسعة من الإخوان المسلمين شهادات من أقاربهم وآخرين هم حتماً من الجماعة وليسوا مارّة فى الطريق.
المهم من كل ما سبق أن تدحر مصر الإرهاب، فهو عدو الإنسانية كلها لا مصر وحدها، والناس مثلى الذين انتصروا لمصر صغاراً كباراً ينتظرون أن تهزم مصر الإرهاب، فتبدأ نهضة عربية عامة، لا علاقة لها بما تريد الولايات المتحدة أو لا تريد».
هذا الجيل من المصريين يصحح أخطاءه ويسعى لأن يعوض ما فاته. التحديات كبيرة وكثيرة، ومن يرد أن يعمل لهذه البلد كجزء من فريق كبير يواجه الصعاب، فأهلاً به. ومن يرد أن يبكى على اللبن المسكوب أو أن يسكب اللبن حتى يبكى عليه، فالساحة رحبة أمامه. ولكل منا اختياره، وكلنا يتحمل نتائج اختياراتنا الفردية والجماعية.