صباح الفل يا ريسنا..
عودة موفقة من رحلة موفقة.. أحسنتم والله.
سؤال بايخ طرأ على ذهنى: هو مين اللى حضرتك مقتنع برؤيته لمصر ودورها وحضرتك ناوى تطبقها، أو حضرتك هتكون هذه الرؤية إزاى؟ من الذى يصنع «خيال الدولة»؟ أم هى شغالة بلا خيال؟
بدون خيال، فلا تخطيط متكاملاً طويل المدى.
يعنى مثلاً كلام حضرتك عن أن.. أن.. أن الشباب ينزلوا علشان يساعدوا فى تنظيف وبناء المدارس، وهى فكرة ممتازة وتم تطبيقها فى بعض الدول فى فترات سابقة عن طريق مؤسسات مجتمع مدنى، بس ده هيحصل إزاى؟ دى مش مجرد فكرة؛ دى لازم تكون جزء من ملف أكبر اسمه «تعبئة طاقات المجتمع المدنى» مثلاً.
طيب موضوع «الثورة الدينية» وتجديد الخطاب الدينى دى فكرة ممتازة فعلاً وأشكر حضرتك على طرحها، بس مين مسئول عن تنفيذها وما خطة عمله؟
وبعدين حضرتك قلت إن الدولة لن تتدخل فى ميثاق الشرف الإعلامى، ده كلام يطرح تساؤلات: طيب مين اللى هيحط ميثاق الشرف الإعلامى؟ ومين اللى هيضمن تطبيقه؟ أرجو إن حضرتك ما تكونش متوقع أن «الأذرع الإعلامية» هتقعد مع بعضها علشان تطلع «ميثاق شرف إعلامى». حياة الأنتخة الإعلامية تغرى باللاقيد. وحضرتك بتنتقد ده.
وموضوع الخطاب الدينى ده فعلاً شغلانة صعبة جداً على بلد تواطأ الكثير من المشتغلين بالدين فيه ومواطنيه على غياب «الحس الإسلامى» وبناء «الشكل الإسلامى». القضية ليست فى النصوص، المعضلة فى العقول.
من أعظم مقولات الزكى النجيب محمود فى كتابه «رؤية إسلامية» هو حديثه عن أن المسلمين فقدوا «الحس الإسلامى» الذى يزرعه الإسلام فى العقل المسلم. ويبدو أن هذا الحس الإسلامى هو أساسيات الحياة الدينية والدنيوية السليمة وما فيها من أولويات واضحة. وهو ما عبر عنه الشيخ محمد الغزالى فى كتابه «مشكلات فى طريق الدعوة الإسلامية» بالكثير من الأمثلة.
فقد جاءه صيدلانى يبحث قضية «صلاة تحية المسجد» فى أثناء خطبة الجمعة، فسأله: «لماذا لا تنصر الإسلام فى ميدانك، وتدع هذا الموضوع لأهله؟ إن الإسلام فى ميدان الدواء مهزوم! ولو أراد أعداء الإسلام أن يسمموا أمته فى هذا الميدان لفعلوا، ولعجزتم عن مقاومتهم! أليس من الأولى بك أن تصنع شيئاً لدينك فى ميدان خلا منه، بدل الدخول فى موازنة بين الشافعى ومالك؟».
يقول الشيخ: «كثير من الشباب يظنون التقوى هى بذل وقت أكبر فى سماع الخطب والدروس الدينية والأخذ بقدر يسير من شئون الدنيا وعلوم الحياة، إن الإسلام لا يكسب خيراً من هذا المسلك، ولا تنتصر عقائده إذا كان أهله فى بلاهة الهنود الحمر مهما كانوا حسنى النية؛ املك أيها المسلم ناصية الحياة بعلم واقتدار تقدر على نصر الحق الذى تعتنق».
التقى الشيخ «الغزالى» رجلاً رغب أن يحج للمرة الثالثة فقال له: كم تتكلف هذه الحجة؟ فقال الرجل: قرابة ألف جنيه (آنذاك)، فرد الشيخ: سأدلك على عمل أفضل: إن فلانا تخرّج وهو فقير يحتاج أن يبدأ مشروعاً، فضع فى يد الشاب المتخرج هذا المبلغ يبدأ به حياة تنفعه وتنفع أمته، ولك عند الله ثواب أكبر من ثواب حجتك هذه!! فرفض الرجل.
يرد الشيخ الغزالى: إن جمهوراً غفيراً من المسلمين لا يدرى أبعاد المأساة التى تعيش فيها أمته، ولا مدى التخلف الرهيب الذى يهدد يومها وغدها، ومن ثم فهو يتخبط فى دينه بعشوائية تقدم النافلة على الفريضة.
وعن التكلف فى الدعوة يقول الشيخ: «الذى رأيته فى ميدان الدعوة منذ أربعين سنة أو يزيد، أن أكثر المعارف الدينية المتداولة بيننا زيادة على الذى نحتاجه، وأن عُشر ما يعلم المسلمون يكفيهم فى فقه الإسلام كله، ويبقى عليهم بعد ذلك أن ينصرفوا إلى العمل المثمر».
من أسف، نحن نمنا فى نور مبادئ عظيمة أرسلها رب عظيم على قلب رسول كريم فى كتاب مكنون، واستيقظ غيرنا فى ظلام غياب كل هذا، فانتصر المخلص فى مبادئه حتى لو كانت خاطئة، على المتهاون فى مبادئه حتى لو كانت صحيحة.
بس السؤال: هو مين بقى اللى هيعمل الثورة الدينية؟
عايزين كل شوطة تكون فى الجون، مافيش حاجة فوق العارضة. ما عندناش رفاهية الفشل زى ما حضرتك قلت.