هل نحن أحفاد هؤلاء العماليق، الذين رفعوا الحجارة بزنة سبعين طناً إلى سفح الأهرامات دون أوناش، ودون روافع، ودون ميكانيكا ودون كهرباء، إلى ارتفاع ثلاثمائة متر؟ هل نحن أحفاد هؤلاء الذين نحتوا الجرانيت والحجر الصوان وسووا هذا الصخر الأصم فى هيئة الحوريات والآلهة والملكات الفاتنات الساحرات والملوك الجبابرة، أمثال رمسيس وتحتمس والجميلة نفرتيتى؟ هل نحن أحفاد هؤلاء السحرة الذين أنطقوا الحجر ونحتوا الجبل ورصدوا النجوم؟!
أين ذهبت هذه الجينات العبقرية؟ وكيف أنجبت أحفاداً مهازيل يسرقون المليارات ويهربون بها كالكلاب الضالة؟ من أى سلالة جاءت هذه الحشرات؟! ومن أى أجداد جاءوا بهذه الموروثات الوضيعة؟!
لقد تراخت حبال الزمن وضعف الجنيه المصرى وأصبحنا نستورد فوانيس رمضان من الصين.. كيف؟!!.. ماذا جرى؟! وماذا أودى بهذه الأخلاق العظيمة؟!
أين ذهبت العزائم التى صنعت الحديد الصلب من رمال أسوان وبدأت تدخل إلى صناعة عربات الفيات ورمسيس على استحياء..
لماذا توقف المد الذى بدأ قوياً عارماً أيام مصانع النسيج فى المحلة.. أيام كانت سمعة القطن المصري فى السماء؟!
ماذا جرى لعصر الذهب الأبيض المصرى؟!.. القطن العالمى المعجزة؟!..
لماذا توقفت الانتفاضة الاقتصادية التى بدأها طلعت حرب أيام كان الجنيه المصرى من الذهب الإبريز.. لماذا كان النفس قصيراً.. ولماذا كانت الخطوات اللاهثة ما تلبث أن تتوقف.. هل هى الجينات؟! التى توارثناها من الأجداد.. مرة أخرى.
لا أظن أنها وراثة.. فلو كان هذا الكسل فى الدم.. ما استطاع الفراعنة أن يتفرعنوا.. ولما فكروا أن يزحزحوا حجراً واحداً من مكانه..
إنها أخلاق.. وتقاعد فى الهمة.. وكسل.. وسلبية.. وتواكل.. ودونية سلوكية.
النشاط.. وحب الرياضة.. وحب الكسل والخمول.. وحب القراءة والاطلاع.. كلها عادات ممكن تنشئة الطفل عليها.. فالطفل قرد صغير ينشأ على تقليد من حوله..
والزراعة وحدها لن تغطى نفقات مجتمع ناهض متطور وفى عصر الدول المفترسة الذى نعيش فيه لا أمان لبلد دون درع صناعية.. ودون سلاح.. ودون صناعة متطورة وطيران وبحرية ونظم اتصالات متطورة ومراكز أبحاث ودون قاطرة علمية لا تفوتها فائتة لا تكتمل لدولة مسوغات وجودها.. والقطط لا حظ لها بين السباع، إلا إذا اختارت التسول وأكل الفتات.. ولا اختيار أمام دول العالم الثالث إلا اقتحام أبواب الصناعة والتكنولوجيا.. والعلوم لم تعد أسراراً.. وأطفال اليوم ينافسون آباءهم فى ألعاب الكمبيوتر.. وعندنا أكبر مكتبة فى العالم مفتوحة مجاناً لمن يقرأ.
هبوا من غفوتكم يا إخوة.. وقوموا من نومكم الطويل.. وانهضوا يا رجال.. انتفضوا يا شباب..
نحن فى حاجة إلى انتفاضة شاملة..
انتفاضة تربوية.. وانتفاضة ثقافية.. وانتفاضة سياسية.. وانتفاضة اقتصادية.
وفى حاجة إلى دماء جديدة وقيادات جديدة ورؤى جديدة..
التغيير سنة الحياة..
الحرباء ليست هى الوحيدة التى تغير لونها.. فالإنسان أيضاً يغير جلده مع كل حمام.. وهو يجدد أفكاره مع كل كتاب يقرأه.. والله وحده هو الباقى لأنه الكمال المطلق.. وكل ما عدا الله فى تغيير دائم..
هذه كانت أجزاء من مقال مهم للدكتور مصطفى محمود قرأته فى التسعينات، وأظنه لم يزل صالحاً حتى الآن.