قال وزير الدفاع الأمريكى السابق روبرت جيتس إن «عدداً صغيراً» من القوات الأمريكية مطلوب للقضاء على «داعش»، لأن المتوقع، من وجهة نظره، أن العديد من دول المنطقة سترسل قوات برية لمواجهة هذه الموجة الجديدة من الحرب على «الإرهاب»، وهو الإرهاب الذى تصنعه أمريكا، بسوء نية وحسن تخطيط أحياناً وبغباء شديد وسوء تخطيط فى أحيان أخرى.
السؤال: هل سترسل مصر قوات كى تحارب فى العراق وسوريا؟
يقيناً فإن الولايات المتحدة ستطلب ذلك من مصر والسعودية والإمارات والكويت والأردن وربما من المغرب والجزائر.
وأعتقد أن الرئيس السيسى أحسن إلقاء الكرة فى ملعب الأمريكان حين سأله تشارلى روز: هل مصر ستشارك بضربات جوية ضد «داعش»؟
فرد الرئيسى السيسى متسائلاً: وهل أنتم بحاجة إلينا؟
فقال تشارلى روز: نعم، حتى لا تبدو الحرب وكأنها أمريكا ضد مقاتلين إسلاميين، لذا نحن نريد أكبر عدد من الدول العربية معنا.
فرد الرئيس السيسى مطالباً الولايات المتحدة بتسليم مصر طائرات «إف 16» و«الأباتشى» التى أوقفت الولايات المتحدة تسليمها لمصر منذ عام ونصف.
أهمية هذا الحوار فى تقديرى أنه يعبر عن الطريقة التى تفكر بها أمريكا، وهى نفس الطريقة التى ينبغى أن تفكر بها مصر.
هناك احتياج مشترك من الطرفين لمعرفة توازنات القوى وتوازنات الضعف فى المنطقة. الولايات المتحدة عليها مسئولية سياسية وتاريخية تجاه العراق الذى دمرته فى عام 2003، وكما يقولون فى الغرب: «You break it, you fix it»، بعبارة أخرى: «كما خربتها، عليك مسئولية إصلاحها».
وإن لم تسعَ لإصلاحها فاعلم أنك ستنكوى بنارها كمن يربى ويطعم ويوفر البيئة الملائمة لثعابين صغيرة ثم تكبر لتلتهم صغاره وأقاربه. وأتذكر أن الرئيس مبارك حذر جورج دبليو بوش أثناء محاولة مماثلة لدعم الغزو الأمريكى للعراق، فكان تعليق الرئيس مبارك: «عايزين تحاربوا بن لادن؟ بغزو العراق هتصنعوا ألف بن لادن» وقد كان.
لمصر مطالبها وشروطها قبل التفكير فى إرسال قوات لمحاربة «داعش» وأخواتها.
أولاً: الطائفية الدينية - السياسية ليست مقتصرة على «داعش» و«جبهة النصرة» و«أنصار بيت المقدس»، وإنما هى تشمل كل تنظيم يسعى للوصول إلى السلطة متاجراً بشعارات دينية مدعياً التشريع والحكم باسم الخالق سبحانه وتعالى. وبالتالى، لن نساعد الأمريكان فى ما يحقق مصالحهم، ويظلون هم يوفرون بيئة ملائمة لثعابين تنهش فينا ولكنها لا تناصبهم العداء. إذا كانت النية منعقدة على مواجهة «الطائفية الدينية - السياسية»، فلتكن مواجهة شاملة على كل هذه التنظيمات والحركات. وإن أراد هؤلاء أن يشاركوا فى الحياة السياسية على أسس المواطنة الكاملة التى لا تتاجر بالدين، فالساحة متسعة لكل من يؤمن بالمواطنة.
ثانياً: لو حدث وأرسلت مصر قوات لمحاربة «داعش»، فلا بد أن يكون مفهوماً يقيناً أن هذا جزء من واجب قومى عربى لحماية ما بقى من عروبة وللذود عن حرمة وسمعة الإسلام، دين الله العظيم، ضد من يتاجرون به ويسيئون إليه.
ثالثاً: لو حدث وأرسلت مصر قوات لمحاربة «داعش»، فلا بد أن تكون القيادة المصرية جزءاً من عملية التخطيط الاستراتيجى، وليس فقط إدارة العمليات على الأرض، بمعنى أن نعرف ما هو المنتج النهائى الذى نسعى إليه ومتى تنتهى العمليات العسكرية. لا نريد تكرار تجارب الخديعة الكبرى التى وقع فيها العرب إبان الحرب العالمية الأولى.
رابعاً: الأفضل ألا ترسل مصر قوات برية لمحاربة «داعش»، ولكن إن كنا لا محالة فاعلين، فالأفضل أن تكون جزءاً من قوات عربية فى مجموعها تشكل نواة لقوات عربية مشتركة للتدخل السريع، وفى كل الأحوال لا تتعدى القوات البرية المصرية عدة آلاف. والإشارة هنا إلى عدم تكرار تجربة إرسال قوات بعشرات الآلاف إلى خارج الحدود كما حدث فى حرب اليمن.
خامساً: طيب ماذا لو امتنعنا عن إرسال قوات بالمرة؟ فكرة أميل إليها إنسانياً، ولكن التكلفة أننا سياسياً لن يكون لنا أى دور فى أى ترتيبات تتعلق بمستقبل المنطقة، لأننا ببساطة «ما روحناش». وسيعنى أننا فى أول تهديد لاستقرار المنطقة، تخاذلنا.