بقلم : معتز بالله عبد الفتاح
هذا المقال لا هو رد ولا هو مهتم أصلاً بما ستذيعه قناة الجزيرة القطرية عن التجنيد الإجبارى فى الجيش المصرى لأسباب كثيرة، على رأسها أن الفيروس لا يصيب إلا الجسد صاحب المناعة الضعيفة. وأزعم أن مناعة مصر، شعباً وجيشاً، أعظم كثيراً من أن ينال منها من يريد إثارة اللجج وتغذية روح الفتنة فى وقت ينبغى أن نكون جميعاً على قلب رجل واحد من أجل الحفاظ على ما تبقى من دول المنطقة.
ولكن قطر تفعل ما لم تتمكن من فعله إسرائيل.
ابتداءً:
1- الدول التى لديها تجنيد إجبارى هى الدول الأكثر شعوراً بالخطر سواء لأسباب داخلية (احتمالات اندلاع حروب أهلية أو قلاقل تهدد تكاملها الإقليمى ووحدة أراضيها)، أو لأسباب خارجية (مثل احتياجها لاستخدام الأداة العسكرية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية التى لا يمكن تحقيقها بأدوات السياسة الخارجية الأخرى). والقضية هنا لا ترتبط بتخلف الدول أو تقدمها، والأمثلة كثيرة بما فى ذلك دول غير عربية من كل قارات العالم، ومنها: أنجولا، النمسا، بوليفيا، البرازيل، شيلى، كولومبيا، كوبا، قبرص، الدانمارك، الإكوادور، أستونيا، فنلندا، اليونان، إيران، إسرائيل، كوريا الجنوبية، وكوريا الشمالية، المكسيك، النرويج، روسيا، سنغافورة، تايوان، تايلاند، تركيا.
2- هناك فلاسفة كبار فى تاريخ الفكر السياسى كانوا يرون أن التجنيد الإجبارى من أسباب قوة الجيوش، بل وقوة الشعوب أيضاً. ذهب جان جاك روسو، الفيلسوف الفرنسى، إلى أن فكرة الجيش القائم على تطوع الأفراد كانت أحد أسباب انهيار الإمبراطورية الرومانية، حيث انهار الجيش مع تراجع نوعية وكمية الملتحقين به، وهو نفس ما ذهب إليه مكيافللى حين أراد توحيد إيطاليا بأن جزءاً من وحدة إيطاليا يقتضى أن يمثل الشعب تمثيلاً منتظماً فى الجيش، وإلا فستميل كفة بعض الإمارات على البعض الآخر، بما يجعل الغلبة لبعض الإمارات على بعضها الآخر.
3- رغم أن الصين لا تعتمد فكرة التجنيد الإجبارى فى الجيش، لكنها صاحبة واحدة من أكفأ منظومات التدريب المهنى عالى المستوى للملتحقين بالجيش، ومن هنا جاءت فكرة «جيش التنمية» التى تبناها «دينج تساو بينج» التى نقل بموجبها أهم قيم الجندية، وهى الانضباط من القوات المسلحة إلى ميادين العمل. وهو ما يجعل فكرة أن يلتحق الجندى بالقوات المسلحة لا يجيد القراءة والكتابة وأوليات الحساب، فيخرج مجيداً لها. يلتحق الجندى بالقوات المسلحة بلا حرفة يجيدها، فيخرج منها مجيداً لها. يلتحق الجندى بالقوات المسلحة بلا تدريب كاف فى مجال تخصصه، فتصقل القوات المسلحة مهاراته فى تخصصه، فيفيد منها، وتفيد منه.
4- معظم الدول التى تخلت عن التجنيد الإجبارى كان بسبب استقرار حدودها ودخولها فى تحالفات دولية أو إقليمية لحمايتها مثل معظم الدول الأعضاء فى حلف الناتو، أو الدول التى دخلت فى علاقات تحالف ثنائية أو جماعية مع قوى أكبر. ومصر لا ينطبق عليها لا ذلك وذاك.
5- العيب الأٍساسى للتجنيد الإجبارى وقت السلم، هو الكلفة الاقتصادية العالية، وهو ما تواجهه القوات المسلحة بتشغيل جزء من الجنود فى مجالات تدر عائدات اقتصادية على الجيش وعلى الدولة. فضلاً عن أن مصر ليست فى حالة سلم، سواء بسبب الإرهاب أو الميليشيات التى تحيط بنا من كل الجهات.
6- طالما أن إسرائيل، إيران، تركيا تعتمد سياسة التجنيد الإجبارى، فلا مجال لتراجع مصر عن هذه السياسة.
تحية لكل جندى وضابط، وكل من خدم وسيخدم جيش وشعب هذا البلد الطيب أهله.