توقيت القاهرة المحلي 15:37:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التصوف العقلانى

  مصر اليوم -

التصوف العقلانى

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

أعجبنى ما كتبه الأستاذ أحمد السيد عن التصوف عند الأستاذ عباس محمود العقاد، حيث أوضح أن بعض المتصوفة قد أشاروا إلى ضعف العقل البشرى وأنه لا يستطيع أن يصل للحقيقة.. واختلف الأكثرية حول حدود التصوف وضوابطه، ولم يتفقوا على تعريف واضح لمعنى العزلة، وهل الذين لم يتخذوا نهج العزلة من المتصوفة كان لهم إنتاج ثقافى وفكرى أثرى الفكر الإسلامى، أم أنهم لم يخرجوا أبداً من دائرة الرياضة الروحية وطريق السلوك إلى الله؟ وكثير من هذه الإشكالات التى تحدث عنها محمود عباس العقاد وعن المنهج الصوفى بشكل عام.

فبداية يرى العقاد أن التعمق فى طلب الأسرار هى صفة مشتركة بين الصوفية الحقة وفلاسفة التفكير الذين يغوصون إلى الحقائق البعيدة وعلماء النفس الذين ينقبون على ودائع الوعى الباطن وغرائب السريرة الإنسانية.

ويضيف أن الإسلام وبشكل قاطع يرفض الرهبانية والانقطاع عن الدنيا، لذلك تجد أن الديانات الأخرى قد أخرجت من الرهبان والنساك المنقطعين عن الدنيا أكثر مما أخرجهم الإسلام دون مراء.. بينما الأمر يختلف عند الكلام عن الصوفية الإسلامية؛ فإن عدد الصوفيين ذوى الآراء والأقوال أكثر من أمثالهم فى جميع الديانات الأخرى، ويؤكد العقاد بأنك إذا جمعت أقوال المتصوفة فى الإسلام ملأت الأسفار الكبرى، وطرقت كل باب من أبواب الحكمة الإلهية. ثم يقسم الصوفية من حيث المضمون إلى نوعين اثنين: نوع العقل والمعرفة، ونوع القلب والرياضة.

ويؤمن العقاد أن من الصوفية العقلية طلاب المعرفة والذين يُحسَبون فى عداد الفلاسفة الأفذاذ مثل محيى الدين بن عربى وذو النون المصرى، فهؤلاء الصوفيون العقليون يذهبون بالعقل إلى غاية حدوده، ولا يتهيبون الشكوك والاعتراضات بل يقولون بلسان الغزالى: إن الشك أول مراتب الإيمان. ولكنهم متى بلغوا بالعقل غايته ملكتهم نشوة الوجدان فأسلموا أمرهم كله لله، وليس اشتغالهم بالعقل مانعاً لهم أن يشتغلوا بالرياضة النفسية، وإنما يشتهرون بأفكارهم لأنها الصلة بينهم وبين تلاميذهم ومريديهم وقرائهم.

على عكس الصوفيين القلبيين الذين يلتمسون المعرفة المباشرة برياضة النفس على قمع الشهوات، فعندهم أن شهوات الإنسان فقط هى الحائل بينهم وبين النور والمعرفة.

كما يقسم الصوفية من حيث علاقتها بالدنيا إلى فريقين: فريق يتخطاها وينبذها، وفريق يمشى فيها ويصل منها إلى الله.. فالفريق الأول يرفضها لأنها وهم وغشاوة مزيفة كالطلاء الذى يوضع على المعدن الخسيس ليخيل إلى النظار أنه معدن نفيس، ونوع آخر يخوض غمار الدنيا ليبتلى نفسه ويمتحنها بتجاربها وغواياتها، وعنده أنها جميلة؛ لأنها من خلق الله؛ وكل ما يخلقه الله جميل. ويوقن العقاد أن هذا النوع من الصوفية أقرب أنواعها إلى الإسلام؛ فليس على المسلم حرج أن يرى للدنيا ظاهراً خداعاً، وباطناً صادقاً أجمل من ظاهره.

ويؤكد العقاد أن الصوفى المتشرع لا ينقض الشريعة أبداً بل يتمها ويكشف ما استتر من حكمها وأسرارها، بل يمكن أن يظهر ما خفى من أسباب ظواهرها كما فعل الخضر مع موسى (عليهما السلام)، وقد كان أقطاب الصوفية يقيمون الفرائض ويصومون ويصلون ويعطون الصدقات ويحجون بيت الله ويجاهدون فى سبيل الله ضد الطغاة والظالمين، وليس من الإنصاف أن نحمل على التصوف أوزار الأدعياء واللصقاء الذين يندسون فى صفوفه جهلاً أو نفاقاً أو فضولاً، ولكن التصوف على حقيقته الكاملة هو حرية الضمير فى الإيمان بالله على الحب والمعرفة؛ ولكن أناساً من أبناء العصر الحاضر يحسبون أن الصوفية ماهى إلا تراث قديم مهجور!.. ولا يعلم أن رياضة النفس ضرورة لازمة كرياضة الجسد ولا يستطيع أن يستغنى الإنسان عنها يوماً واحداً.

ثم يختم العقاد متحدثاً عن حجم التصوف فى الدين، فيرى أن الإسلام قد وضع التصوف موضعه الذى يصلح به ويُصلح من يريده، فليس هو واجب وليس بممنوع، ولكنه ملكة نفسية موجودة فى بعض الطبائع، والإسلام يجيزه بالقدر المعلوم الذى لا إفراط فيه ولا رهبانية، ولا يجلب الضرر لسالكه أبداً.

أعود فأقول إن المصريين بحاجة لأن تنتشر أفكار من هذه لتقف سداً منيعاً أمام الفكر التكفيرى والتجزيئى الذى يدمر الأوطان ويخلط بين قداسة الدين وجاه الدنيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التصوف العقلانى التصوف العقلانى



GMT 15:37 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان.. عودة الأمل وخروج من الأسر الإيراني

GMT 15:33 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ليلى رستم نجمتنا المفضلة

GMT 08:16 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 08:14 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 08:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 08:10 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

GMT 08:09 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

GMT 08:07 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تسييس الجوع والغذاء

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon