توقيت القاهرة المحلي 15:59:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العقلية السطحية والعقلية المركبة

  مصر اليوم -

العقلية السطحية والعقلية المركبة

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

أنصح الشباب بنفس النصيحة التى قالها لى الدكتور الزكى النجيب محمود فى المرة الوحيدة التى التقيته فيها وهى قراءة السير الذاتية للمفكرين والسياسيين والأشخاص الذين غيّروا مجتمعاتهم. يعجبنى المنهج الأخلاقى الذى أرساه السيد المسيح حين أحضروا له امرأة ضُبطت تزنى، وأوقفوها فى الوسط، وقالوا له: «يا معلم، هذه المرأة ضُبطت وهى تزنى. وقد أوصانا موسى فى شريعته بإعدام أمثالها رجماً بالحجارة، فما قولك أنت؟». سألوه ذلك لكى يحرجوه فيجدوا تهمة يحاكمونه بها.

 أما هو فانحنى وبدأ يكتب بإصبعه على الأرض. ولكنهم ألحوا عليه بالسؤال، فاعتدل وقال لهم: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر!» ثم انحنى وعاد يكتب على الأرض. فلما سمعوا هذا الكلام انسحبوا جميعاً واحداً تلو الآخر، ابتداء من الشيوخ. وبقى يسوع وحده، والمرأة واقفة فى مكانها. فاعتدل وقال لها: «أين هم أيتها المرأة؟ ألم يحكم عليك أحد منهم؟»، أجابت: «لا أحد يا سيد». فقال لها: 

«وأنا لا أحكم عليك. اذهبى ولا تعودى تخطئين!» أليس هذا ما فعله الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، حين رأى سعيد بن المسيب يجر رجلاً آخر كان مخموراً أو نحو ذلك فقال: «هلا سترته بثوبك»! أو «لو سترته بثوبك كان خيراً لك». وكان من العدل أن يثنى الرسول الكريم على بعض العرب حتى قبل أن يسلموا إحقاقاً للحق وإنصافاً فى القول. بعضنا انتهازيون فيفترضون فى الآخرين الانتهازية بالضرورة. بعضنا خطاؤون فيفترضون فى الآخرين الخطيئة بالضرورة.

 ويمكن أن نغفل كل الخير الذى فعله آخرون مقابل أى عيب نراه، ونجعل هذا العيب هو العنوان الوحيد الذى نضع تحته الآخرين. تحية كاريوكا راقصة مشهورة، وعند المحافظين والمتدينين الرقص الشرقى مهنة تدخل فى إطار المحرمات. وهذا مفهوم تماماً بالنسبة لى. ولكن إن أردنا إنصافاً فلنقل كذلك إنها سيدة مصرية شجاعة وجريئة يذكر لها من يعرفونها أنها كانت تساعد الفدائيين فى القناة فى حرب عام 1948 وما بعدها. واستغلت حقيقة كونها من مدينة الإسماعيلية لتنقل الأسلحة فى سيارتها الخاصة للفدائيين، وقد خبأت الرئيس السادات لمدة عامين كاملين بعد أن قامت بتهريبه فى سيارتها إلى منزل شقيقتها بعد هروبه من مطاردة الشرطة نتيجة اتهامه فى حادث مقتل أمين عثمان. تقول إحدى المقالات المنشورة عنها إنها لبّت نداء الوطن فى عام 1955 حين أعلن الرئيس جمال عبدالناصر قراره بكسر احتكار السلاح والتحول إلى المعسكر الشرقى لتسليح الجيش بعد أن رفض الغرب تقديم السلاح إلى مصر إلا بعد الاعتراف بإسرائيل وعقد اتفاق معها. رفض عبدالناصر، ويومها خرج الفنانون المصريون، وفى مقدمتهم تحية كاريوكا، فى احتفالية أطلقوا عليها «أسبوع تسليح الجيش» إلى الشوارع والمحافظات لجمع التبرعات مساهمة فى شراء صفقة السلاح الجديدة، كما خصص الفنانون أجورهم عن الأعمال الفنية لهذا الهدف الوطنى، وجاءت تحية كاريوكا ومعها السيدة أم كلثوم على القمة فى جمع أكبر قدر من التبرعات لتسليح الجيش المصرى. كما قدمت «كاريوكا» جزءاً من مجوهراتها لهذا الهدف، وشكرها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وقال لها: «أنت بألف رجل يا تحية» فردت عليه: «كل هذا من خير مصر يا ريس». حين قررت المخابرات الأمريكية تدمير سمعة القس مارتن لوثر كنج، زعيم حركة الحقوق المدنية فى الولايات المتحدة، بدأت تنشر بعض المعلومات عن علاقات غير شرعية يقيمها خارج إطار الزواج. ويبدو أنها لم تكن فقط ادعاءات، ولكن يظل الرجل اسماً بارزاً رغماً عن عيوبه الشخصية. نحن فى مصر، وفى هذه المنطقة من العالم، لم نزل بعيدين عن تلك القدرة على أن نحكم على البشر بمنطق ميزان الحسنات والسيئات. نحن نرى فى أى سيئة أنها النهاية وكأن كل واحد فينا بلا سيئات. وهذه آفة تأكل الثقة وترهق العقول. ولا بد لها من ثقافة جديدة. هل ممكن أن نكره بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، وفى نفس الوقت ندرك مهاراته التى جعلته قادراً على صناعة دولة من لا شىء؟ أعتقد ممكن، لكن عند الحكماء فقط.

المصدر: الوطن

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العقلية السطحية والعقلية المركبة العقلية السطحية والعقلية المركبة



GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 08:18 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 08:15 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon