توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفجوة بين «مصر الرئيس» و«مصر الفضائيات»

  مصر اليوم -

الفجوة بين «مصر الرئيس» و«مصر الفضائيات»

بقلم معتز بالله عبد الفتاح

من يتابع تحركات القيادة السياسية والمؤسسات القائمة على شئون الأمن والتنمية فى مصر ويقارنها بما يتناقله الناس من تعليقات عن مسلسلات وإعلانات رمضان يعتقد جازماً أن هاتين دولتان مختلفتان.

أعرف أناساً يعملون فى القوات المسلحة وأجهزة الدولة السيادية لا يكادون ينامون أو يعودون إلى بيوتهم من كثرة ما هو ملقى على أكتافهم من مهام مرتبطة بوقت زمن محدد من قبَل القيادة السياسية. تجد فيهم الجدية والجد والعطاء واليقين بأنهم يفعلون ما يفعلون على أمل مستقبل أفضل لمصر والمصريين جميعاً.

ولكن من يتابع المسلسلات والإعلانات يصل إلى استنتاج أن هذا مجتمع بلغ مرحلة «الدعة والسكون» التى تحدّث عنها ابن خلدون، حيث ينفق المجتمع على الملذات أكثر من إنفاقه على الإنتاج، فتحدث الظاهرة التى أشار إليها القرآن الكريم: «وبئر معطلة وقصر مشيد».

فالبئر التى تنفع الناس لا تجد من يهتم بها وينفق عليها، ومظاهر الترف المبالغ فيها تصبح هى أولوية الأولويات.

القيادة ناهضة، ولكن بقية مؤسسات الدولة والمجتمع ليست على نفس الخط، ولا تقرأ من نفس النوتة.

لن تنهض مصر إلا بأن تكون القيادة ناهضة والمؤسسات فى الدولة والمجتمع ناهضة.

أين ما ينفع الناس كى يمكث فى الأرض؟

وما هى مؤشرات النهضة هذه؟

كنت أتخيل أن يكون هناك عدد من المسلسلات يناقش قضايا ملحة علينا جميعاً مثل أمراض مصر العشرة وكيفية علاجها: الفقر، الجهل، المرض، الإهمال، الفساد، الاستبداد، الادعاء، التطرف، البطالة، الإنجاب بلا حساب.

لكل مشكلة من هذه المشكلات العديد من الطرق التى يمكن علاجها بها، ولكن معظم القائمين على المسلسلات والإعلانات بحثوا عن الأسئلة والإجابات المريحة أكثر من البحث عن الأسئلة والإجابات الصحيحة.

يوم أن وصل مهاتير محمد إلى السلطة، حسب ما روى فى كتابه «طبيب فى رئاسة الوزراء»، كان عليه المسئولية الضخمة فى كيفية توجيه كل طاقات الدولة والمجتمع نحو وجهة واحدة وهى إعادة بناء الدولة.

كل الطاقات كان ينبغى أن تتناغم لتحقق هدفاً واحداً وهو تغيير ثقافة الملايين حتى يكونوا أكثر إنتاجية وأكثر تعلماً ووعياً، مستخدماً فى ذلك الخطاب السياسى والدينى والإعلامى والثقافى والتعليمى.

يقول «مهاتير»: «أطلقنا حملة النظافة والكفاءة والأمانة فى سنة 1982 لاستخدامها فى أول انتخابات عامة وأنا رئيس للوزراء.. واحتجنا إلى شعار مناسب للإشارة إلى التغييرات التى رأينا وجوب إدخالها فى عهدى، وجدنا أن التغيير واجب فى نواح ثلاث: تطهير البلاد من الفساد، ورفع الكفاءة، والتحلى بالأمانة».

وكانت هذه هى نقطة البداية فى النهضة الماليزية.

وأصبحت كل مؤسسات الدولة وكل القطاع الخاص والمجتمع المدنى ترفع نفس الشعارات وتدور حول نفس المفاهيم.

وكانت الأعمال الدرامية والأغانى والأشعار تدور حول هذه المعانى حتى يتيقن الشعب من أن لا نهضة إلا بهذه القيم.

السؤال المطروح: ما هى الشعارات التى تحدد أولويات مصر وكيف تتحول من «علاقات عامة» (public relations) إلى «سياسة عامة» (public policy)؟

وهذا ما قصده مهاتير محمد حين قال: «الماليزيون على الخصوص ملتزمون بالعادات والتقاليد لأنها تُشعرهم بالأمان، لكنى اعتقدت دائماً بإمكانية أداء الأعمال بطرق متخلفة، وأن نظم القيم تحدد نجاح الفرد أو المجتمع أو الأمة وما إلى ذلك، وإذا كانت قيم المجتمع أو الأمة تتطور بشكل طبيعى، فإنها يمكن كذلك غرسها بشكل مقصود، وممارسة الحكومة تلك القيم خير وسيلة لفعل ذلك».

نحن فى مصر ننفق الملايين على المسلسلات والإعلانات التى تخاطب فى الإنسان المصرى بصفة أساسية رغبته فى التسلية (وهى قيمة فى حد ذاتها، وإن كانت أدنى القيم) ونزعته نحو الشراء. ولكن هناك عشرات القيم الأخرى التى يمكن أن نضعها على أولوياتنا دون أن ننال من التسلية ومن الشراء.

والسؤال المطروح: ما هى هذه القيم التى نود زراعتها بشكل مقصود فى المجتمع، وما هى الآليات المستخدمة لتحقيق هذا الهدف؟

يقول «مهاتير»: «مع انطلاق حملة (النظافة والكفاءة والأمانة) بدأت العجلة بالدوران، تلك كانت طريقة للحد من الفساد. كان بناء فندق يتطلب الحصول على 200 موافقة منفصلة، وكان الحصول عليها يستغرق سنوات، وكان مقدم الطلب المتلهف الذى يعرف أن الوقت كالمال يلجأ إلى تقديم الرشاوى لتسريع معاملته، وبعد وقت وجيز عرف المسئولون أن تأخير العمليات نافع لهم، فصارت عادة توجّب قطعها.. وبعد أن أصبح الحصول على الموافقات على مشاريع البناء أيسر، ظهرت الرافعات فى أنحاء كوالالمبور، وأصبح مشهد الشاحنات التى تخلط الأسمنت مألوفاً، وشاع بناء المبانى الشاهقة فى شتى أنحاء العاصمة.. بات بناء منزل أو إصلاحه فى ماليزيا اليوم أسرع منه فى إنجلترا».

هنا نجح «مهاتير» مستخدماً كل وسائل بناء العقل والوجدان فى أن يعيد توجيه ثلاثة مكونات للعقل الماليزى: القيادة، والقيم، والقانون.

أستنتج مما سبق ما يلى:

1- القيادة لديها بوصلة. وبعض مؤسسات الدولة، لا سيما السيادية، تسير عليها. وهى بوصلة البناء والتعمير والاستصلاح.

2- الحكومة مشغولة فى إدارة الروتين اليومى التقليدى بما فى ذلك عمليات إطفاء الحرائق اليومية.

3- البرلمان المصرى تائه ويناضل من أجل استكمال النصاب القانونى للحاضرين. نخشى عليه من أن يفتضح أمره، فلا نذيع جلساته على الهواء مباشرة. ورغماً عن وجود العشرات من النواب المحترمين، فإن من الواضح أنه تلاقت إرادات الأطراف على أن يكون شاهداً لم يشهد شيئاً.

4- الكثير من المجتمع المدنى والقطاع الخاص يسعى ويجتهد فى أن يعالج مشاكل المجتمع وأن يساند الدولة ولكنها النسبة الأقل، ويظل الأكثر والأغلب هم من يرون أن أغلب الشعب المصرى «تافه، هايف، ضايع» فيقدمون له ما يريده وليس ما يحتاجه.

5- وتحت الشعار «الناس عايزة كده» يستمر مسلسل السقوط حتى نصل إلى يوم نقول فيه: «المقومات الأخلاقية والفكرية للنهضة ليست متوافرة»، وحظ أفضل لقيادة أخرى فى مرحلة أخرى يكون فيها القائمون على عقل ووجدان المصريين أكثر وعياً باحتياجات المصريين.

ولك الله يا مصر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفجوة بين «مصر الرئيس» و«مصر الفضائيات» الفجوة بين «مصر الرئيس» و«مصر الفضائيات»



GMT 08:19 2017 الجمعة ,31 آذار/ مارس

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 08:12 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 07:48 2017 الأحد ,19 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 07:47 2017 الجمعة ,17 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 09:01 2017 الأربعاء ,15 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon