بقلم معتز بالله عبد الفتاح
نشر موقع «ساس بوست» مقالاً مترجماً كتبه شادى حميد لـ«ذى أتلانتك» بعنوان: هل الإسلام دين استثنائى؟ المقال يستحق التأمل.
يقول شادى حميد إن الإسلام دين مختلف، وإن هذا الاختلاف كان ذا أثر عميق على المنطقة بشكل خاص، امتداداً إلى التأثير العالمى. يكمن الفارق بين الإسلام والمسيحية فى أن المسيحية لا تتضمن ذلك الحزم، فيما يتعلق بالشريعة والحكم والسلطة. تدور فكرة الشريعة فى الأساس على فضح ومعاقبة الخطيئة، فى حين أن فى المسيحية، يُفترض أن «المسيح» خلص البشر من أعباء الخطيئة؛ عندما صُلِب، ما يعنى بالتبعية أنه خلصهم من عبء الشريعة.
شكلت قصة الخلاص فى المسيحية ملمحاً من ملامح مراحل التطور الروحى متعددة المراحل التى مرت بها الإنسانية؛ ففى الوقت الذى كانت فيه اليهودية انتقائية إلى حد بعيد، وتخص مكاناً وبشراً بعينهم: هم شعب الله المختار، جاءت المسيحية لتقدم طرحاً عالمياً أبدياً. وبناءً على فكرة الخلاص. وإذا كان ذلك الخلاص على يد المسيح وفقط، فلا حاجة لدولة تنظم سلوك العامة والخاصة، وهما المطلوبان معاً لنشر الفضيلة وزيادة الوفاء للمسيح، وتصبح أيضاً فكرة العقاب على الخطايا ليست ذات أولوية، فقد ضحى المسيح من أجل ذلك مسبقاً.
هل فصل الدين عن الدولة هو الحل؟
يقول حميد إنه فى تلك اللحظة، رأى الإسلاميون المعاصرون أن الأزمات التى مر بها المسلمون جاءت نتيجة بعد الدولة عن الدين، وأن هذا بمثابة الغضب الإلهى، وأنه لإرضاء الله، يجب إعادة الأمور إلى نصابها، والعودة إلى الأساس الإسلامى النقى. ظهر ذلك السرد فى نهاية القرن التاسع عشر، إلا أنه تحول فى العقود التالية إلى مجرد كلمات متواترة، إلا أنه ظل قائماً، واستدل على ذلك بكتابات المفكر الإسلامى «محمد جلال كشك»، التى حملت نمطاً مشابهاً من هذا الطرح.
حاول الكثير من الحركات الإسلامية إحياء روح الجيل الأول من المسلمين، وهم من عرفوا لاحقاً باسم «السلفيين»، والذين لم يكتفوا بالبحث عن تلك الروح فقط، بل جاء الاسم مستمداً من الأسلاف؛ إذ سعى هؤلاء للالتزام بالسنة النبوية بتفاصيلها، إلا أن الغريب فى الأمر، أن مثل تلك الحركات كانت بعيدة عن التاريخ الإسلامى؛ فإذا طلبت من أحد المسلمين أن يذكر اسم أحد علماء العصر العثمانى، فلن تجد الكثير ممن يستطيعون الإجابة عن هذا السؤال. كذلك الأمر بالنسبة للخلافة العباسية التى يتذكرها المسلمون بكثير من الفخر، فى حين أنه لا يوجد منهم من هو على استعداد للقتال والموت من أجل تحقيق تلك الغاية.
يقول حميد إن النبى محمد صلى الله عليه وسلم كان (رجل دين) وسياسياً ومقاتلاً وداعية فى آن واحد، والأهم من كل ذلك، أنه كان مؤسساً لدولة جديدة. حاول مفكرون إسلاميون، من بينهم السودانى «محمود محمد طه»، وتلميذه «عبدالله النعيم» من بعده، التأسيس لفكرة فصل الوصايا النبوية، والزعم بأن القرآن الكريم يحتوى على رسالتين مختلفتين، الأولى تقوم فى الأساس على الآيات التى نزلت فى المدينة أثناء تأسيس النبى لمجتمع جديد بها، والتى تتضمن أجزاء من الشريعة الإسلامية، كانت تناسب القرن السابع، والجزيرة العربية، ولا تخرج عن هذا السياق، بينما قالوا إن الجزء الثانى من رسالة الإسلام نزل فى مكة قبل هجرة الرسول، وضم المبادئ الإسلامية الخالدة التى يمكن تحديثها وفقاً لمقتضيات الزمان والمكان.
يقول «حميد» إنه ربما يرى البعض أنه لا علاقة للشريعة الإسلامية بالحياة العامة، وإنه يجب فصل الدين عن الدولة، كأساس لتكوين مجتمع «ليبرالى تعددى حداثى»، إلا أن ثقل التاريخ الإسلامى يجعل من هذه الأفكار صعبة، وغير واردة. ويختتم الكاتب حديثه بالقول بأن الاستعمار والعلمانية وظهور الحداثة أنتجت دولة مركزية طاغية، وما تبعها من «بيروقراطية» وجيوش متعددة التسليح، و«تكنولوجيا» مراقبة المواطنين وغيرها مما لم يكن متاحاً للإمبراطوريات السابقة.