من أصعب ما يواجهه المسلم فى مجتمعات الغرب حين ينظر إليه الآخرون باعتباره متهماً بجريمة اسمها «الإسلام».
كتبت من قبل عن أستاذة روسية اتصلت بى لتقتبس من كلامى تعليقاً حول حادثتى التفجير الإرهابى فى إحدى المدن فى جنوب روسيا منذ فترة. وجزء من القصة قولها: «فى روسيا هناك اعتقاد بأن الإسلام حين يختلط بالسياسة، سواء فى الشرق الأوسط أو فى روسيا، أو فى أى مكان فى العالم يتحول إلى مادة خام للفاشية التى تُفضى إلى الإرهاب».
طبعاً، كمسلم غيور على دينى، أدافع عن سمعة الإسلام، وأوضح أن كل الأديان يخرج منها من يرفعون شعارات دينية لتبرير سلوكهم المعوج الذى يتناقض مع الدين نفسه.
«أغلب المسلمين ليسوا إرهابيين، لكن أغلب الإرهابيين مسلمون» جزء من شعار يرفعه كثيرون فى الغرب بالإشارة إلى كم التفجيرات فى العراق، وسوريا، وليبيا، ومصر. ولكن هذه العبارة تحتاج إلى جزء ثالث: «وأغلب الضحايا مسلمون كذلك».
للأسف نحن ابتُلينا بأقوام يرفعون شعارات الإسلام ويفعلون كل ما يتناقض معه: يخلطون بين قداسة الدين وبين جاه السياسة. هؤلاء من أطلق عليهم «الإسلاماسيون»، أى سياسيون يتاجرون بالإسلام.
هل تتذكرون حادث القتل فى أحد مولات العاصمة الكينية؟ ما يثير التأمل أن «الإسلاماسيين» الذين قتلوا مرتادى المول صوّرتهم الكاميرات، وهم يؤدون الصلاة بعد القتل كى يعلنوا للعالم أنهم يقتلون المدنيين بوحى من تديّنهم وحسن ممارستهم لشعائر الإسلام.
كان لى لقاء أسبوعى مع المشرف على رسالتى للدكتوراه فى الخارج. وفى يوم ذهبت إليه وكنت على غير عهده بى محزوناً. فسألنى، فقلت له عن مشكلة فى المركز الإسلامى تؤرقنى ولا أعرف لها حلاً؛ فقال لى: زدنى، لأننى أريد أن أعرف.
المهم كانت الحكاية أن انقساماً كان حادثاً بين بعض الأشخاص: خلاف عادى وارد، لكن كانت الخطورة فيه أن كل طرف أمسك بطرف من الآيات والأحاديث كى يُبرّر موقفه، ودخلنا فى حالة من التشدّد والتشدّد المضاد وأصبحنا نذهب إلى المركز الإسلامى وكأننا متضرّرون حتى شرع بعضنا فى تأجير شقة كى يصلّوا فيها حتى لا يروا «أعداءهم». والكل يتحدث بالإسلام الذى يقول لنا أصلاً: «إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».
وكانت ظاهرة متكررة فى مراكز إسلامية أخرى. وعادة فى كل مسجد يكون هناك شخص أو عدد من الأشخاص يظنون أنهم المتحدّثون باسم الإسلام فى المسجد.
المهم كنت منزعجاً من أننا حتى لا نجيد الالتزام بأحكام الإسلام داخل المركز الإسلامى.
سألنى أستاذى عن موقفى أنا الشخصى، فقلت له ما أفعله، وهو فى مجمله كان جهوداً توفيقية، إلى أن انتهيت إلى أن أخذت جانباً وأعلنت وقوفى بجواره، اعتقاداً منى أنهم كانوا الطرف الأقل مزايدة والأكثر رغبة فى رأب الصدع واحترام الشرع، فما كان من الأمر إلا أن المعركة ازدادت سخونة وكادت تقترب من الفتنة. وأصبح الناس لا يتواصلون حتى داخل بيت الله، وصولاً إلى أن كل الاجتماعات كانت تنتهى بالنتيجة نفسها: «مافيش فايدة».
يبدو أننى «صعبت» على الرجل، فأراد أن ينصحنى، فقال: أفضل ما يمكن أن يفعله أى مسلم هو ألا يتحدّث عن الإسلام، ولكن أن يلتزم بالإسلام. أو بتعبيره: «DO NOT TALK ABOUT ISLAM; BE ISLAM».. وفى هذا الظرف جاءت عبارته لتدخل فى عقلى وظلت ملازمة لى.
كثير من «الإسلاماسيين» يسيئون إلى الإسلام وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً. هم أشبه بعامل توصيل الطلبات إلى المنازل، الذى يسىء إلى الشركة التى يعمل بها، مع فارق أساسى أنك لا تستطيع أن «ترفدهم» من الإسلام، لأن رب الإسلام لم يجعل له «كهنوت» يتحدث بالنيابة عنه؛ لكنهم صنعوا من أنفسهم «كهنوت» يتحدثون باسمه ويسيئون له.
اللهم اهدِ قومى فإنهم لا يعلمون، غلبت عليهم شِقوتهم، وسيندمون..