ماذا يقول علم السياسة عن الانقلابات؟
من أفضل ما قرأت عن الانقلاب الفاشل فى تركيا ما كتبه الزميل محمد رحيم من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عن الموضوع. حيث كتب على صفحته على «الفيس بوك» ما يلى:
منذ الساعة 11 فى غمار الأحداث كتبت أن السيناريو الأرجح أن الانقلاب هيفشل، أو هتحصل مواجهات عنيفة بين المتآمرين وباقى قوات الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، لكن احتمال النجاح مستبعد (آخر Status). وهذا استناداً إلى نتائج الدراسات الكمية فى مجال الانقلابات العسكرية وليس إلى رأى منى. لأول مرة منذ دراستى للعلوم السياسية واتجاهى نحو الدراسات الإمبريقية والكمية أستشعر بنفع ما قرأته ودرسته وبحثت حوله.
الحكمة الشائعة فى الدراسات الإمبريقية والكمية المتعلقة بالانقلابات العسكرية بترجح قيام محاولة انقلاب من عدمه، واحتمالية نجاح هذه المحاولة إن حدثت، بناء على عدة متغيرات، من بينها ما يأتى:
أولا: الأداء الاقتصادى للدولة ومستوى معيشة المواطن العادى: إذا كان الأداء الاقتصادى ضعيفاً ومستويات المعيشة منخفضة، فإنّ هذا يزيد من فرص قيام انقلاب عسكرى، ويزيد من احتمالية نجاح المحاولة حال قيامها، نظراً لاحتمالية تأييد شرائح واسعة من المواطنين لحركة الجيش وأنّها خلاص من فشل المدنيين.
ثانياً: التنوع العرقى/الإثنى والعداوات الناجمة عن ذلك. إذا كان المجتمع «فسيفسائى»، توجد به إثنيات متنوعة وكثيرة ومتناحرة، فإنّ احتمالية استخدام الأداة العسكرية فى هذا تزيد، واحتمالية نجاح الانقلاب فى حال حدوثه أكبر.
ثالثاً: مؤشر الديمقراطية (الانقلابات على النظم الديكتاتورية هى الأكثر نجاحاً. مؤشر ديمقراطية تركيا حتى عشية الانقلاب 9/10 - Polity Score).
رابعاً: إن كان النظام الذى يتم الانقلاب عليه مدنى/عسكرى (نظام مدنى منتخب، تقل فرص قيام انقلاب عسكرى عليه، وتقل فرص النجاح إن قامت المحاولة).
خامساً: مدى وجود مظلوميات للقوات المسلحة (إذا كانت القوات المسلحة تعانى من ضعف فى التسليح، أو عدم وجود مكانة مقبولة لها داخلياً وعلى المستوى الإقليمى، وقلة رواتبهم ودخولهم، فإنّ هذا يزيد من فرص المحاولة والنجاح معاً).
سادساً: حجم هذه القوات (كلما كان حجم القوات كبيراً، كان من الأصعب التنسيق فيما بينها، فتزيد فرص فشل الانقلاب).
سابعاً: مدى وجود قوات عسكرية أجنبية/حلف على أرض الدولة، إذا كانت هناك قوات عسكرية أجنبية/كون الدولة عضواً فى حلف، فإنّ الانقلاب من الأرجح أنّه سيفشل (إلا إذا كان بإيعاز من باقى الحلفاء).
ثامناً: إن كانت الدولة قد شهدت انقلابات عسكرية فى السابق أم لا، وعدد السنوات منذ قيام الانقلاب الأخير. هذا لقياس ما يسمى بشلال الانقلابات coup cascades (إن كانت الدولة شهدت انقلاباً عسكرياً فى السابق، فإنّ احتمالية قيام محاولات انقلابية تزيد بصورة كبيرة جداً، لكن كلما ازداد عدد السنوات منذ قيام المحاولة الأخيرة، قلت فرص النجاح).
لا يوجد عامل منفرد من هذه العوامل يستطيع التفسير، ولكن كلها معاً. النظام السياسى فى تركيا نظام ديمقراطى، منتخب، يحافظ على أداء اقتصادى مقبول، مستوى تسليح الجيش التركى من الأفضل فى المنطقة، الجيش التركى له كلمة مسموعة على المستوى الإقليمى (العراق، سوريا.. إلخ)، مرت سنوات جيدة نسبياً منذ قيام المحاولة الأخيرة (19 عاماً)، بالإضافة إلى أنّ المجتمع التركى ليس مجتمعاً شديد التنوع عرقياً ولغوياً، وحتى وجود أقلية كردية لا ينعكس بداخل الهيكل التنظيمى للقوات المسلحة. كل هذه الشواهد تصب فى صالح كارثية قرار القيام بمحاولة انقلاب عسكرى نظراً لضآلة احتمالية تأييده، وإن كان من يخططون لا يتسمون بالرشادة وقرروا الانتحار باتخاذ مثل هذا القرار، فإنّه يصب فى صالح فشل محاولة الانقلاب، وقد كان.