بقلم معتز بالله عبد الفتاح
تصاعدت حالة الغضب لدى الأهالى فى عدد من محافظات الصعيد والوجه البحرى بسبب تفاقم «أزمة العطش» نتيجة انقطاع مياه الشرب ونقص مياه الرى، الأمر الذى يهدد ببوار عشرات الآلاف من الأفدنة، وتلف المحاصيل الصيفية، فيما شكا بعض الأهالى من أنهم يتعرضون لـ«الموت عطشاً».
هذه كانت مقدمة تقرير مهم نشرته جريدة «الوطن» عن أزمة تحدث فيها معى عدد كبير من المواطنين لأوصل أصواتهم إلى المسئولين، والحقيقة أن التقرير الذى نشرته «الوطن» بالأمس فيه من التنوع الجغرافى بين ربوع مصر ومن تعدد أسباب الشكوى ما يجعلنا نتساءل عن كيف سيكون الوضع بعد اكتمال بناء السد الإثيوبى على النيل الأزرق، وهو فرع النيل المسئول عن 85 بالمائة من المياه التى تصل إلينا، مع معلومات من الأقمار الاصطناعية تقول إن البحيرة التى أمام السد لتخزين المياه أكبر من الرقم الذى تعلنه إثيوبيا، إننى أطالب السادة وزراء الرى والزراعة بالاطلاع على شكاوى الناس فى التقرير المنشور، لأن مشكلة المياه عند هؤلاء لها نتائج خطيرة، وإن كان الأمر أكبر من هاتين الوزارتين فلا بد من مناقشة الأمر على مستويات أعلى.
أرجو من الوزيرين، ومن أعضاء البرلمان، أن يقرأوا ما يلى:
وشكا مئات الفلاحين فى محافظة المنيا من تفاقم أزمة نقص مياه الرى، وعدم وصولها إلى نهايات الترع والمساقى، سواء العمومية أو الفرعية، مما حرم مئات الأفدنة من المياه، وبات العطش يهدد بتلف المحاصيل الصيفية، مثل القصب، والذرة الشامية، والخضراوات، والعنب، والموالح، كما يهدد آلاف الأفدنة بالبوار، وقال «خلف زكى»، مزارع، إن «منسوب المياه بالترع ينخفض تدريجياً وبشكل ملحوظ، وتعرضت بعض المساقى للردم بالمخلفات الزراعية بسبب إهمالها وعدم تطهيرها»، لافتاً إلى أن محاصيل القصب وبنجر السكر، تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وهناك أكثر من 800 فدان بزمام مراكز المنيا وأبوقرقاص وملوى معرضة للتلف بسبب نقص المياه، وأضاف «مختار رياض» أنه يمتلك نحو 3 أفدنة مزروعة بمحصول الذرة الشامية، ونظراً لانخفاض منسوب المياه فإن أرضه مهددة بالتلف، وتابع بقوله: «اشتكينا للزراعة والرى، ومفيش فايدة»، وأكد أن المزارعين ملتزمون بدفع إيجار الأرض وأجور العمال وشراء المبيدات والأسمدة، ويضطرون إلى شراء مياه الرى بالساعة، التى يتم ضخها من خلال عدد من الآبار الجوفية، متهماً المسئولين فى الرى بالإهمال وعدم الالتزام بتطهير الترع، مما ساعد على ردم ترعة «العبد»، الأمر الذى أدى إلى حرمان أكثر من 250 فداناً من مياه الرى، وأضاف: «تقدمنا بشكاوى لتطهير الترعة ولم يستجب أحد لنا حتى الآن»، وقال «يسرى عبدالحكيم»، مزارع: منسوب المياه بترعة «الدماريسية»، التى تروى مئات الأفدنة، بزمام ما يقرب من 10 قرى انخفض بشكل ملحوظ، ويواجه جميع المزارعين صعوبة فى رى أراضيهم البعيدة عن الترع بسبب عدم وصول المياه، مشيراً إلى أن العشرات من أجود الأفدنة الزراعية لا تصلها مياه الرى بانتظام، ومع ارتفاع درجات الحرارة انخفض المنسوب بشكل واضح، مما دفع مئات الفلاحين إلى تقديم شكاوى لمديرية الرى، يطالبون فيها بضخ المزيد من المياه، حفاظاً على المحاصيل الصيفية.
ومن جانبه، قال وكيل وزارة الرى بالمنيا، المهندس أحمد شعبان، إن هذه الأزمة تتكرر كل عام بسبب حرص معظم المزارعين على رى أراضيهم فى توقيت واحد مع حلول الصيف، وأضاف أن محافظة المنيا يوجد بها نحو 650 ألف فدان، ولا توجد رفاهية المياه الوفيرة كما كانت فى الماضى، مؤكداً أن حصة المياه المقررة للمحافظة لم تقلّ كما يردد البعض، ولكن بعد حصاد القمح تكون الأرض شديدة الجفاف «شراقى»، وتحتاج لمياه وفيرة، كما أن ارتفاع درجات الحرارة خلال الفترة الماضية أثّر على مياه الرى، وانخفض منسوبها فى الترع.
وفى محافظة البحيرة دخلت معاناة أهالى قرية «كوم القدح»، التابعة لمركز أبوالمطامير، بسبب نقص مياه الشرب، شهرها الثانى دون أى حلول من جانب المسئولين، وقال «علاء الرميحى»، أحد الأهالى، إن القرية والقرى المجاورة لها بدون مياه للشرب منذ شهر كامل، ما اضطر الأهالى إلى الاعتماد على جلب المياه فى جراكن كبيرة على جرارات زراعية، وعربات «الكارو» من القرى الأخرى لتلبية احتياجاتهم من المياه، وأشار إلى أن الأهالى استغاثوا بالمسئولين، وأرسلوا العديد من الشكاوى والمذكرات إلى المحافظ الدكتور محمد سلطان، وإلى رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة أبوالمطامير، المهندس أحمد الأعرج، وإلى رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالمحافظة، المهندس خالد حسين، لكن دون جدوى، قائلاً: «أنقذوا قرية كوم القدح، نداء لأى شخص يقدر يساعد، الناس بتموت من قلة المياه».
وفى أسيوط، سادت حالة من التذمر والاستياء الشديدين بين المواطنين، خاصة فى مناطق حى غرب، وفى مدينة أبوتيج على خلفية الانقطاع المتكرر للمياه الذى يصل لساعات طوال وحتى موعد الإفطار، دون إعلان مسبق من المسئولين عن شركة مياه الشرب، الأمر الذى اضطر الأهالى إلى شراء المياه المعدنية للشرب، والاستعانة بالجراكن المملوءة بالمياه من نهر النيل، لقضاء حاجاتهم، كما شهدت قرى «المعابدة»، و«الطوابية»، و«مير»، و«المرشحة»، بمركز القوصية، انقطاعاً للمياه دام لأكثر من 5 ساعات، بسبب توقف محطات الرفع عن العمل، نتيجة لانقطاع التيار الكهربائى، كما أصدر شباب حزب «الوفد» بأسيوط بياناً استنكروا فيه تكرار أزمات انقطاع المياه والكهرباء فى مناطق مختلفه بأحياء مدينة أسيوط دون تحرك من المسئولين عن شركة المياه، وأشار البيان إلى أن «الأيام الماضية شهدت أزمات متكررة، بدأت بانقطاع المياه عن عدة مناطق من بينها غرب البلد، الذى انقطعت فيه المياه لمدة 12 ساعة متواصلة»، وتابع البيان أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، وتكررت الأزمات حتى وصلت إلى انقطاع المياه والكهرباء معاً، وتزاحم المواطنون على عربات المياه، فى وضع أشبه بـ«مخيّمات إيواء اللاجئين»، بحسب البيان. انتهى ما جاء فى التقرير.
إن أزمة المياه الحالية ليست إلا مقدمة لما سيحدث حين يبدأ الإثيوبيون فى تخزين المياه خلف السد، لا أعرف على وجه الدقة إلى أين نحن متجهون ولكن كل الاحتمالات مفتوحة بدءاً من تطبيق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الذى يعطى لمصر، منفردة أو من خلال ترتيبات الأمن الجماعى، الحق فى الدفاع الشرعى عن النفس، صحيح أن المادة تتحدث عن «اعتداء مسلح» ولكن ما تفعله إثيوبى اعتداء أشد خطراً فى تأثيره من أى اعتداء مسلح، والأفضل أن تعى إثيوبيا أن المكسب المشترك خير من الخسائر المتبادلة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، علينا فى مصر أن نبحث فى الإجراءات الواجب اتخاذها كى تحل هذه الأزمة حتى لا يتفاقم الأمر.
ونقول يا رب.