معتز بالله عبد الفتاح
خلال الأسابيع القليلة الفائتة أشارت أنقرة وطهران إلى أنهما تحاولان وضع خلافاتهما جانباً. فقد سافر وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو إلى طهران بعدما زار نظيره الإيرانى محمد جواد ظريف أنقرة، ويبدو أن السبب الرئيسى خلف هذا التقارب هو سوريا. ويُعتبر توغُّل تركيا فى سوريا خير دليل على تطور العلاقة بين البلدين، ويُظهر ذلك أن الحرب تتحول إلى عدة نزاعات صغيرة يمكن خلالها للخصوم على جبهة معينة (تركيا فى مواجهة روسيا فى حلب) التعاون على جبهة أخرى (جرابلس). كما يبيّن أن الجهات الفاعلة تستعد لحقبة «ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية» وتُبدّل أولوياتها استناداً إلى ذلك. فعلى سبيل المثال، لم تعُد تركيا تصب على ما يبدو كامل تركيزها على الإطاحة بالأسد. عوضاً عن ذلك، ومن خلال إبرام اتفاق سلام ضمنى مع روسيا وبالتالى مع إيران بشكل غير صريح، تعمد أنقرة استباقياً إلى السيطرة على مناطق كان ليستولى عليها لو لم تفعل «حزب الاتحاد الديمقراطى»، وسيكون أحد خصوم تركيا الرئيسيين فى سوريا بعد دحر «الدولة الإسلامية».
بالفعل، واصل «أردوغان» وكبار المسئولين فى وزارة الخارجية التركية انتقاد «الأسد» علناً منذ عملية التوغل الشهر الفائت، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان بإمكان تركيا فعلاً التخلى عن سياستها الرامية إلى الإطاحة به.
من جهتها، ترى طهران فى الحلحلة فرصة لاكتساب تأييد أنقرة وتقويض اعتراضات تركيا على بقاء نظام الأسد. وقد يكون القادة الإيرانيون طلبوا من الأسد إصدار الأمر الذى قضى بقصف الجيش السورى مؤخراً مواقع «حزب الاتحاد الديمقراطى» فى الحسكة كوسيلة لاستمالة أنقرة.
قبل التعاون العسكرى والدبلوماسى مؤخراً، دفعت الضغوط الناتجة عن مواجهة خصمين نافذين فى سوريا بتركيا إلى فتح آفاق التعاون على الصعيد الاقتصادى مع طهران. وساعد ذلك إيران على إيجاد متنفّس من العقوبات الدولية، وردّت طهران فى المقابل بتوجيه دعوة إلى الشركات التركية لمزاولة أعمال فى الجمهورية الإسلامية. وفى 5 مارس، دعا رئيس الوزراء التركى آنذاك أحمد داوود أوغلو إلى إزالة العوائق التجارية البيروقراطية للاستفادة من العوامل الاقتصادية والجغرافية التكاملية بين البلدين، موضحاً أن هذا الأمر قد يساعد على زيادة قيمة التعاملات التجارية السنوية بواقع ثلاث مرات من 9 مليارات دولار إلى 30 ملياراً. نظراً إلى هذا المزيج من المصالح المشتركة والمتباعدة فى آنٍ، من المرجح أن تقرر تركيا وإيران تقسيم علاقاتهما على عدة جبهات. على سبيل المثال، فى حين سيستمر خلافهما بشأن بعض جوانب السياسة حيال سوريا (مثل مستقبل الأسد ومعركة حلب)، ستعترضان على أى سيناريو قد ينطوى على تمتُّع أكراد سوريا بحكم ذاتى أو بالاستقلال. وعلى الصعيد الاقتصادى، ستواصل علاقاتهما ازدهارها. أما فى العراق، فقد تتوصلان إلى تسوية بشأن حكم سياسى مشترك فى ما يتعلق بالأكراد، كما تنطوى المفاوضات المستمرة بشأن التوصل إلى تسوية سلام فى سوريا على تحديات أخرى. ففى حال إبرام اتفاق يضمن بقاء نظام الأسد، ستتمثل ميول تركيا على المدى الطويل بعدم التقيد بالكامل بشروطه. بدلاً من ذلك، قد تقدّم أنقرة دعماً علنياً للاتفاق بينما تواصل فى الوقت نفسه تسليح المتمردين المناهضين للأسد، ما قد يثير بالتالى غضب طهران وموسكو. ووفقاً لذلك، ما لم تُقنع واشنطن داعمى المعارضة السورية فى السعودية وقطر بوقف الدعم المالى والإذعان بالكامل لاتفاق سلام، من المرجّح أن تواصل تركيا تزويد مجموعات المتمردين ببعض الأسلحة والأموال، بما فيها الفصائل المتطرفة. ومن شأن السعودية أن تعارض أى اتفاق أمريكى-روسى حول سوريا، إذ قد تعتبره بمثابة تسليم البلاد إلى سيطرة الإيرانيين/الشيعة. لكن حتى فى حال وافقت الرياض على مثل هذا الاتفاق، من المرجّح أن ترفضه بعض أقسام النخبة السعودية غير المنظمة.
على الرغم من حذر تركيا من الإيرانيين وأهدافهم الإقليمية، ترغب أيضاً فى بناء علاقة فعلية، بسبب الحاجة إلى التعاون الاقتصادى، لا سيما على صعيد الطاقة.
هذا كلام كتبه:
سونر جاغابتاى، مدير برنامج الأبحاث التركية فى معهد واشنطن، وفيه الكثير مما ينبغى أن نراقبه.