توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما بعد الإسلام السياسى

  مصر اليوم -

ما بعد الإسلام السياسى

معتز بالله عبد الفتاح

أثناء انشغالنا بقضايانا الملحة، كان هناك تطور مهم يحدث فى تونس، إذ يعلن راشد الغنوشى، زعيم الإخوان، الفصل بين الدعوى والسياسى والتحول بحزبه من «الإسلام السياسى» إلى «الديمقراطية المسلمة» ورغماً عن غموض المصطلح الأخير، لكنه يفسر بإعلان الحزب أنه حزب سياسى، ولن يعمل بالدعوة الدينية.

يقول الأستاذ الدكتور نصر عارف فى جزء من مقال مهم له:

الناظر فى حالة الارتباك التى تعيشها المجتمعات العربية التى عرفت ثورات الربيع الذى صار صيفاً حارقاً، يجد أن جوهر الأزمة يتمثل فى الجماعات المنتسبة للإسلام، والتى تحاول استنساخ التاريخ فى الواقع المفارق كلياً لكل معالم المشهد التاريخى، سواء مع حركة الإخوان التى كانت تظن أن الوطن حفنة تراب عفن، وأنه لا قيمة له، وأن الانتماء للأمة ينفى وجوده، وأن الدولة نبت استعمارى، يجب هدمه وإعادة بنائه، دون فهم لخطورة الهدم، ودون وعى على ما تتطلبه عملية البناء من زمن يمتد لعقود، أو الحركات السلفية الجهادية ومن نتج عنها من القاعدة إلى داعش، جميعها تعامل مع الواقع العربى بأقصى درجات السذاجة، وظن أن رفع علم قديم، وكتابة عبارة «خلافة على منهاج النبوة» سوف يعيد التاريخ أربعة عشر قرناً من الزمان، كل ذلك حدث، وما زال يحدث بسبب عدم الوعى على الفارق الضخم بين التاريخ الإسلامى، وبين الواقع الذى صنعته الحضارة الغربية فى عصور هيمنتها على العالم منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى اليوم، هذا الفارق الذى يجعل مفاهيم الخلافة ومؤسسات الحكم التاريخية غريبة عن الواقع، وغير قابلة للتطبيق، إلا بتدمير الواقع، وقتل الإنسان كما تفعل داعش. وهنا جاءت حنكة الدكتور راشد الغنوشى وبرجماتيته، وقدرته الهائلة على التكيف مع متغيرات الواقع، وفهم السياسة على أنها فن الممكن من أجل التمكين، فقد استوعب الدرس مبكراً على مستوى الداخل التونسى، وتراجع عن صدارة المشهد السياسى، على الرغم من قدرة حزبه على المطالبة بذلك والتمسك به، كل هذا من أجل الحفاظ على المكاسب التى حققتها حركة النهضة، وعدم الدخول فى مواجهة مع المجتمع والدولة والشركاء السياسيين؛ مواجهة قد تعيد حركته إلى نقطة الصفر، وهو الأمر الذى لم يفهمه قادة الحركة الأم فى مصر، لذلك عادوا إلى ما دون الصفر.

وعلى الرغم من البرجماتية فى الداخل التونسى، فإن الدكتور الغنوشى حافظ على أيديولوجية الإخوان فى كل ما له علاقة بشئونهم خارج تونس، فساندهم فى ليبيا وسوريا، وناصب مصر العداء بعد خلع الإخوان من الحكم، وظل كذلك إلى أن اقتنع بأن تنظيم الإخوان فاقدٌ للقدرة العقلية على استيعاب الواقع، وغير قادر على التكيف مع المتغيرات، وكل ما يفعله هو ترديد رطانة لفظية من الادعاء والكذب والشتائم والسباب، والاعتقاد أن ذلك سوف يعيدهم إلى الحكم، أو يهزم خصومهم، ظنوا أن معارك السياسة تدار من الفضائيات، وبتوظيف الكذب وانعدام الأخلاق والسباب والشتائم. هنا كان من الصعب على الغنوشى أن يظل فى تنظيم يخسر كل يوم، ويوصم من ينتمى إليه بما لا يليق بمسلم، أو بإنسان كل ثانية.

لذلك قرر الدكتور الغنوشى فك الارتباط بتنظيم الإخوان، والتمييز بين الدين والوطن، وأن الوطن مسألة تنظيمية اجتماعية، والدين أكبر من ذلك وأعظم، فالدين هو مصدر القيم، ومصدر الأفكار التى نحدد بها المقاصد والغايات، ومصدر الأخلاق والمعايير، لذلك لا بد أن يكون أرقى وأعلى وأعظم من استخدامه وتوظيفه فى معركة سياسية مع بشر يؤمنون بنفس الدين، لذلك جاءت خطوة الغنوشى شجاعة تستحق التقدير والاحترام، حين قرر فصل السياسى عن الدينى فى حركته، والابتعاد عن توظيف المساجد فى الصراع السياسى. خطوة فى غاية الأهمية، تحتاجها مجتمعات عربية كثيرة، فمتى يعقلها إخوانه؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد الإسلام السياسى ما بعد الإسلام السياسى



GMT 08:19 2017 الجمعة ,31 آذار/ مارس

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 08:12 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 07:48 2017 الأحد ,19 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 07:47 2017 الجمعة ,17 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 09:01 2017 الأربعاء ,15 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon