أبدأ بمقولتين لونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الأشهر: «الديمقراطية هى أسوأ نظام حكم فى العالم، إلا إذا قارنتها بغيرها» يعنى هى فيها كل العيوب، لكنها مع ذلك أفضل من كل النظم الأخرى التى كانت متاحة له.
والمقولة الثانية: «إن أفضل حجة ضد الديمقراطية هى حوار لمدة 5 دقائق مع ناخب عادى»، يقصد بذلك أن معظم الناخبين يبنون مواقفهم على أسس تجعلك عادة تعتقد أن الاستعانة بتصويت الناخبين مسألة محفوفة بالمخاطر.
الأصل أن الديمقراطية هى حكم الشعب، وحكم الشعب لا يمكن أن يكون حكم كل أفراد الشعب، وإنما هو حكم الأغلبية التى يمكن أن تكون بسيطة (أى أعلى نسبة من الأصوات حتى لو كانت أقل من 50 بالمائة) أو مطلقة (أى أكثر من 50 بالمائة من الأصوات حتى ولو بصوت واحد).
ولكن دائماً هناك من يلقى اللوم على الديمقراطية فى أى قرار خاطئ يتخذه أغلب المواطنين دون النظر لمتغير وسيط مهم وهو الترتيبات المؤسسية الخاصة بالديمقراطية؛ من يسىء استخدام آليات الديمقراطية فهو فى النهاية أخطأ، ولم تخطئ الديمقراطية بالضرورة.
هناك أمور بطبيعتها متخصصة وشديدة التعقيد ولو قدمت للناس بطريقة غير واضحة فسيميل الناس إلى الحكم عليها بالمشاعر والعواطف والمخاوف وليس بالمعلومات والحسابات والتقديرات الموضوعية.
مثلا أين يكون موقع مشروع نووى ما؟ هذا ليس قراراً يتخذه الجميع، وإنما يتخذه البرلمان بعد استشارة المتخصصين.
أزعم أن ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا أخطأ حين قرر إجراء استفتاء عن قضية بهذا التعقيد ولها هذا الكم من النتائج السلبية على مجتمعه وعلى أوروبا جميعها.
هذا ترتيب مؤسسى وآلية ديمقراطية ما كانت لتستخدم بهذه الرعونة.
ولكن هناك ترتيباً مؤسسياً ديمقراطياً آخر يمكن أن يصحح خطأ رئيس الوزراء وهو توقيع أكثر من مليونَين ونصف المليون شخص فى بريطانيا على عريضة تدعو إلى إجراء استفتاء آخر على عضوية البلد فى الاتحاد الأوروبى، بعدما جاءت نتيجة الاستفتاء الأول لصالح الخروج.
وبهذا يتعين على البرلمان مناقشة العريضة، إذ إن الحد الأدنى الملزم لإجراء مناقشة بشأن أى عريضة هو 100 ألف توقيع.
وصوّت 52 فى المائة ممن أدلوا بأصواتهم لصالح تخلّى بريطانيا عن عضويتها فى الاتحاد الأوروبى، بينما أيّد 48 فى المائة منهم البقاء ضمن التكتل.
ودعم غالبية الناخبين فى العاصمة لندن وأسكتلندا وأيرلندا الشمالية البقاء ضمن الاتحاد.
وجاء فى العريضة «نحن الموقعين أدناه ندعو الحكومة إلى تطبيق القاعدة التى تقضى بإجراء استفتاء آخر إذا كان التصويت لصالح البقاء أو الخروج (من الاتحاد الأوروبى) أقل من 60 فى المائة، بمشاركة أقل من 75 فى المائة (من الناخبين)».
وقالت متحدثة باسم مجلس النواب إن الموقع المخصص للعرائض على الإنترنت تعطل لفترة بعد وجود «كميات كبيرة بصورة غير تقليدية من المستخدمين على عريضة واحدة، وذلك أعلى بكثير من أى مناسبة سابقة».
وتضطلع لجنة العرائض فى البرلمان بالإشراف على العرائض المقدمة، وتبحث اللجنة فى ما إذا كان يجب أن ترفع العرائض التى تجمع أكثر من 100 ألف توقيع إلى مجلس النواب كى يناقشها.
ومن المقرر أن يجتمع أعضاء اللجنة يوم الثلاثاء المقبل.
وفى عريضة أخرى، طالب أكثر من 100 ألف شخص رئيس بلدية لندن بإعلان استقلال العاصمة عن المملكة المتحدة والتقدم بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى.
لى صديق بريطانى قال لى: «ما اعتقدنا أننا سنكون الأغلبية»، قاصداً بذلك أنه ما تخيل أن يكون أغلب الأصوات فى اتجاه الانفصال عن الاتحاد الأوروبى.
غالباً هم أخطأوا ولكن مهم أن يكون لديهم أسلوب منظم ودستورى وسلمى لتصحيح الخطأ؛ لأنه من خصائص الديمقراطيات الراسخة، أما الديمقراطيات الناشئة فهذه قصة أخرى.