حينما يتصل بنا مصريون فى الخارج ليشيروا إلى رغبتهم فى تحويل مدخراتهم الدولارية إلى مصر لكنهم يكتشفون أنهم غير قادرين على استخدام كروت الائتمان المصرية الخاصة بهم ليستفيدوا من مدخراتهم التى قاموا بتحويلها لمصر وهم خارجها، فإنهم يتساءلون: كيف تطلبون منا التحويل وفى نفس الوقت تمنعوننا من الاستفادة منها ونحن فى الخارج؟ الحقيقة لم أعرف كيف أجيب عن هذا السؤال ولا أعرف ما هى بدائلنا فى ظل عدم نجاح تجربة الفرص الائتمانية التى قدمت للمصريين للخارج والداخل بودائع ادخارية بأسعار فائدة مرتفعة.
أخذت المسألة إلى عدد من أصدقائى للخارج لأكتشف أن المسألة بحاجة لاستنهاض همم المصريين ورفع درجة إحساسهم بالمسئولية تجاه بلادهم، نحن لا نفعل ذلك بالقدر الكافى.
البنك المركزى ومعه الحكومة قدموا للمصريين وصفة اقتصادية قائمة على المكسب والخسارة الشخصية والمصريون بحساباتهم اكتشفوا أن إبقاءهم على الدولار خارج مصر سيدر دخلاً كبيراً لهم أمام موجات التصاعد المتلاحقة والمتوقعة فى قيمته مقارنة بالجنيه المصرى، لا سيما مع قدوم شهر رمضان ومع موسم الحج. هناك مدخل آخر ينبغى أن يتكامل مع المدخل الاقتصادى وهو المدخل الوطنى، مصريو الخارج يحبون الوطن وحريصون عليه لكن ينبغى توضيح الحقائق، لقد أرسلت مقالاً كتبه الأستاذ نادى عزام، ونشرته من قبل فى «الوطن» إلى العديد من الأصدقاء فى الخارج لتوضيح خطورة الموقف الذى تعانى منه مصر، وكانت الاستجابة معقولة، ولكن المشكلة الآن أن هذه المقالة مهما كانت كاشفة فهى كذلك مقالة اقتصادية، وهذا لا يعيبها، ولكن أين استنهاض الحس الوطنى عند المصريين. وهذا ما فعلته دول أخرى مع أبنائها فى الخارج، وصولاً لأن تبرعت الكوريات الجنوبيات بذهبهن إنقاذاً لبلدهن مع الأزمة الاقتصادية فى عام 1998، وما فعلته العمالة الكورية حين التحقوا بالعمل فى ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية وتبرعوا، أقول تبرعوا، بنصف رواتبهم من أجل بلدهم، ولكن هذا لم يحدث بحسبة اقتصادية ولكن برسائل وطنية تستنهض الطاقات وترفع درجة مسئولية المصريين عن وطنهم حتى وهم بعيدون عنه. يزعجنى أن أسمع أن هناك من يعمل على خلق مسارات موازية من المصريين فى الخارج حتى لا تصل الأموال إلى مصر من الخارج، أعلن استعدادى، وأكيد من هم أكفأ منى كثيرون، لأن نشارك فى أعمال توعوية وطنية لإنقاذ الاقتصاد الوطنى من أزمة الدولار، وأنا على يقين من نجاحها إن أخلصنا التوعية واستخدمنا الأساليب الأكثر تأثيراً فى ضمير المصريين الوطنى، لا بد من إزالة عراقيل الاستثمار، وعراقيل تحويل العملات الأجنبية إلى مصر، ولكن لا بد كذلك من إزالة العراقيل الأخلاقية التى تجعل المصريين فى الخارج يفكرون بمنطق اقتصادى وهم يتعاملون مع وطنهم.
يا أبناء مصر، ساعدوا مصر.
ولتوضيح هذه الحقائق التى ذكرها الأستاذ نادى عزام، المحلل المالى، فى مقاله نقطة البداية.
1- موارد الدولة من الدولار أو المتاح من الدولار فى عام كامل 2015م (58 مليار دولار)، وهى كالتالى:
- من الصادرات 22 مليار دولار.
- من المصريين العاملين فى الخارج 18 مليار دولار.
- من السياحة 8 مليارات دولار.
- من قناة السويس 5 مليارات دولار.
- من استثمارات 5 مليارات دولار.
مجموع هذه الموارد الواردة خلال آخر عام ماضٍ هو 58 مليار دولار تقريباً.
2- المطلوبات أو المطلوب سداده أو الصادر عام 2015م (79 مليار دولار)، وهى كالتالى:
- قيمة الواردات الضرورية 61 مليار دولار.
- وقيمة فرق واردات بين الجمارك والبنك المركزى 9 مليارات دولار.
- قيمة خدمة الديون 6 مليارات دولار.
- قيمة تلبية طلبات المسافرين للخارج 3 مليارات دولار.
مجموعة هذه المسددات الضرورية 79 مليار دولار، وبناءً عليه تكون العملية الحسابية كالتالى:
79 مليار دولار - 58 مليار دولار = 21 مليار دولار، وهو قيمة العجز فى ميزان المدفوعات فى عام واحد من الدولار الأمريكى، وكانت الدولة تنتظر دول الخليج تسد هذا العجز من خلال ودائع أو منح.. إلخ، ولكن للأسف توقفت حنفية الدعم وما ينفعش تتسجل ديون، يعنى البنك المركزى المصرى مطلوب منه أن يوفر الـ21 مليار دولار من الخارج فى صورة قروض ومنح.. إلخ، أو يشترى من المواطنين وشركات الصرافة دولارات، المهم يسد العجز ده من الدولار، الكلام ده عن عام واحد، طيب لو أكتر عامين مثلاً أو ثلاثة؟ تبقى كارثة، طبعاً كانت دول الخليج العربى خاصة السعودية والإمارات والكويت بتدعم الاحتياطى، يعنى البنك المركزى بياخد منهم ودائع ومنح دولارات؛ عشان يسدد فى العجز اللى هو الـ21 مليار دولار، لكن لما فجأة ينقطع عنك عنصر من عناصر التمويل، من عناصر الموارد، من العناصر المتاحة الموجودة فى رقم 1 فى المقالة زى توقف السياحة تماماً، يحدث عجز 8 مليارات دولار قيمة ما كان سيتم تحصيله منها فيكون الحساب كالتالى:
21 + 8 = 29 مليار دولار عجز مطلوب تغطيته.. و(مفيش دولارات)، وكمان لما تتوقف منح ومساعدات وودائع خليجية كانت مقررة بقيمة 12 مليار دولار لسد جزء من عجز الـ21 مليار دولار اللى أصبحت 29 مليار دولار بعد توقف السياحة، فيصبح لدى البنك المركزى عجز حقيقى، ومطلوب على وجه السرعة توفير مبلغ 29 مليار دولار لسداد قيمة سلع أساسية، والسلع الأساسية يعنى زى القمح (رغيف العيش) ومعدات مصانع.. إلخ.
- الموارد توقفت.. 8 مليارات دولار إيرادات سياحة توقفت.. وبعد نزوح المصريين من ليبيا الـ18 مليار دولار الآن أصبحت لا تتعدى الـ14 مليار دولار، يعنى كمان فيه عجز 4 مليارات دولار فى تحويلات المصريين فى الخارج فيصبح العجز خلال عام 21 + 4 + 8 = 33 مليار دولار. وكمان دول الخليج ترجئ وعودها من ودائع ومنح بسبب انخفاض أسعار النفط والحروب اللى كانت مقررة بـ12 مليار دولار، مشكلة كبيرة وأزمة حقيقية ونقص فى الدولار لم تتعرض لها مصر منذ يناير 2011؛ لأن هذه المرة الحنفيات اتقفلت، الموارد اتقفلت، طبعاً من خلال ما تقدم أستطيع القول إن البنك المركزى المصرى حفر فى الصخر من أجل هذا العجز الضخم من الدولار لكنه فشل، لأن الحكومة لم تستطع الحصول على قرض من الصندوق ولا البنك الدولى لأن لهما شروطاً أهمها إلغاء الدعم، ولا إخواننا فى الخليج دفعوا ما وعدوا به بسبب ظروف البترول والحروب وكذلك تراجع موارد السياحة وتحويلات المصريين فى الخارج.
إذن هذا المأزق الاستثنائى ترتبت عليه حلول استثنائية منها ما شهدناه خلال الأيام الماضية.
يا أبناء مصر، ساعدوا مصر.