هل نحن مؤاخذون بما نقول؟
تعددت الحوادث التى يتحول بها أشخاص إلى محاكم القضاء أو مقاصل الرأى العام، بسبب ما يقولون، سواء كان ما يقولونه يعبر عن رأى، أو توجه يتبنونه، أو سقطات يسبق فيه اللسانُ العقل.
وكان آخرها «إعفاء» المستشار أحمد الزند من منصبه.
ويبدو أن القضية ليست فى ما قاله الرجل فقط، ولكن فى مناخ ضجر بزلات اللسان، كما ضجر بتردى الحوار العام بصفة عامة من سباب وإهانات وتهديدات بأن أى شخص يختلف مع المتحدث، فسيكون عقابه «الضرب بالجزمة».
لست متفاجئاً مما يحدث فى مصر. يقول ابن المقفع: «إن الألسنة تنطق بما فى النفوس، فتكشف عن مكنونها فتهوى بأصحابها».
تتداول مواقع النت أمثلة كثيرة لزلات لسان، سواء كانت غير مقصودة (وهذا هو المعنى المباشر للزلة)، أو كانت تعبّر عن موقف يتبناه صاحبها، لكن الزلل جاء لأنه ما كان ينبغى أن يصرح به (وهذا معنى الزلة غير المحسوبة نتائجها).
مثلاً:
فى عام 1989، دخل زكى بدر فى معركة بالأيدى والأحذية تحت قبة البرلمان مع النائب الوفدى طلعت رسلان، بعد وصلة شتائم وجهها «بدر» ضد فؤاد سراج الدين، وإحدى قريباته، مما أثار غضب النائب الوفدى الذى قام بضرب وزير الداخلية على وجهه، فرد عليه «بدر» بضربه بحذائه، وهو الأمر الذى دفع القيادة السياسية إلى أن تطلب من عاطف صدقى، رئيس الوزراء وقتها، ضرورة التدخّل لوقف تجاوزات وزير الداخلية.
«بدر» لم يلتفت كثيراً إلى نصائح رئيس الوزراء، وظل يوجه الشتائم إلى كل معارض لسياسته الأمنية، واقتصر هجومه فى البداية على قادة المعارضة، حتى تجاوز الخطوط الحمراء فى لقائه بضباط المعهد الدبلوماسى فى المؤتمر الشهير بمدينة بنها، شمال القاهرة، وتطاول بالسب والقذف وبألفاظ تخدش الحياء ضد عدد من رموز الدولة، وخص بالسباب كلاً من عاطف صدقى رئيس الوزراء، ويوسف والى، أمين عام الحزب الوطنى، وصفوت الشريف، وزير الإعلام، وحسب الله الكفراوى.
وأشار الوزير بألفاظ نابية إلى الدكتور محمد على محجوب، وزير الأوقاف، وغالبية المحافظين. وكشف «بدر» عن خطته فى قتل 530 ألف مصرى، وأنه أصدر أوامره إلى العمد والمشايخ والخفراء بقتل ودفن كل من له لحية أو يرتدى جلباباً أبيض، وهنا تدخّل الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وقرر أن يقيل وزير داخليته الذى كانت زلات لسانه سبباً فى الإساءة إلى النظام ورموزه.
وزير الإعلام فى عهد الإخوان صلاح عبدالمقصود، اشتهر بتصريحاته «الجنسية»، وكان أول تصريح يصدر عنه أثناء استضافة المذيعة السورية زينة اليازجى له، حينما قال لها فى بداية اللقاء «أتمنى ألا تكون أسئلتك ساخنة مثلك»، وهو ما أدى إلى أن تتدخّل المذيعة وتحرجه بأدب شديد، ولم ينته الأمر عند تلك السقطة، بل تجاوز ذلك حينما سألته صحفية شابة فى مؤتمر صحفى: فين حرية الصحافة؟ وفوجئ الجميع به يرد عليها ويقول: «ابقى تعالى وأنا أقول لك فين».
الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء فى عهد «مبارك»، وأول رئيس وزراء بعد ثورة يناير، والمرشح الرئاسى السابق، أكد فى تصريحات لقناة «بى بى سى» أنه يقترح تحويل ميدان التحرير إلى «هايد بارك»، حتى يتجمّع فيه متظاهرو التحرير، ويتم توزيع الغذاء و«البونبون» عليهم، وتسبّب ذلك فى ثورة غضب عليه وإثارة الرأى العام ضده، وهو ما دفعه لتقديم استقالته فى 4 مارس 2011 للمجلس العسكرى، الذى كان يدير البلاد آنذاك برئاسة المشير محمد حسين طنطاوى.
ومثال آخر جاء من وزير الثقافة السابق الدكتور عبدالواحد النبوى، أثناء زيارته متحف محمود سعيد بالإسكندرية، سخر حين سخر من مظهر أمينة المتحف، أمام العاملين، ورد الوزير على مشكلة طرحتها عليه، حينما قالت له: «أنا عندى مشكلة إجرائية خاصة بحصولى على شهادة الماجستير بكلية الفنون الجميلة»، فقال لها: «وأنا عندى مشكلة مع الناس التخينة»، فى إشارة إلى بدانتها. وأضاف فى حديثه لمديرتها بالمتحف: «البنت دى تخينة، ولازم تطلعيها وتنزليها السلم كل يوم 20 مرة علشان تخس».
وكان واحداً من أسباب إقالته من الحكومة.
إذن نحن أمام عصر جديد سيكون لزلة اللسان وزن كبير فى مجتمع مأزوم.