بقلم معتز بالله عبد الفتاح
لو صدقنا التحديات، لأحسنا العمل.
هذا ملخص ما فهمته من بيان الحكومة أمام مجلس النواب أمس.
نحن، أقصد جزءاً كبيراً من الشعب وجزءاً كبيراً من الحكومة، نتصرف وكأن التحديات التى تواجهنا ليست حقيقية.
مثلاً قال رئيس الوزراء إننا «ما زلنا نواجه تحديات ومصاعب عدة تتمثل فى زيادة مرتفعة لمعدلات النمو السكانى بلغت 2.6% سنوياً لتكون من أعلى المعدلات على مستوى العالم، فهى تعادل أربعة أضعاف نظيرتها فى الصين وثمانية أضعاف نظيرتها فى كوريا الجنوبية، بشكل يمثل تحدياً رئيسياً أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة. فى ظل ارتفاع عدد سكان مصر من 77 مليون نسمة فى عام 2009 إلى 90 مليون نسمة فى 2015 على مساحة جغرافية لا تتجاوز 7% من إجمالى مساحة مصر. وفى ظل تراجع الخدمات وتأخر تطويرها بما يتناسب مع العصر لعقود طويلة، تبدت آثار تلك الزيادة السكانية فى ارتفاع نسب الأمية ومعدلات الفقر ونسب البطالة وكفاءة الخريجين مقارنة بما تحتاجه سوق العمل». ولذا يأتى انخفاض جودة الخدمات العامة، والحاجة إلى ضخ المزيد من الموارد لرفع مستواها، تحدياً آخر يواجه الدولة فى ظل تراجع مستوى الاستثمارات العامة فى البنية الأساسية وعدم القدرة على تطويرها أو رفع كفاءتها على مدى العقود الماضية.
والسؤال: هل المجتمع مستعد لتقبل قرارات من قبيل وضع قيود على الزيادة السكانية التى هى آفة الآفات؟
اقتناع المصريين بكلام رئيس الوزراء عن التحديات هو نقطة الانطلاق فى أى إصلاح حقيقى.
قال الرجل: «ليس هذا فحسب.. حيث يأتى ارتفاع الفجوة التمويلية للاقتصاد القومى، وضرورة سد هذه الفجوة لتحقيق النمو المستهدف، من بين تحديات باتت تواجه جهودنا لتحقيق التنمية الاقتصادية المستهدفة، فى ظل صعاب واجهتها مصر فى السنوات الخمس الماضية تمثلت فى نقص الاحتياطى الدولارى للبلاد من 35 ملياراً إلى 16 مليار دولار، وتراجع نسب الاستثمار، وانخفاض معدلات الادخار المحلية كوسيلة لتمويل الاستثمارات المطلوبة. فى وقت يحتل فيه توفير التمويل اللازم لسد احتياجات الاقتصاد المحلى من الواردات الأساسية -كالمنتجات البترولية والسلع الأساسية ومدخلات الإنتاج- صدارة أولويات الدولة. كما تُلقِى خدمة الدين العام بأعباء ثقيلة على الأجيال الحالية والمقبلة حيث تمثل فوائد الدين العام نحو 193 مليار جنيه بما يعادل 26٪ من إجمالى المصروفات العامة فى عام 2014/2015.
لقد شهدت الفترة التالية لـ25 يناير 2011 زيادة غير مسبوقة فى مخصصات الدعم والأجور، حيث ارتفعت فاتورة الدعم من 94 مليار جنيه لتصل لنحو 188 مليار جنيه، كما ارتفعت مخصصات الأجور من نحو 86 مليار جنيه إلى نحو 199 مليار جنيه، وتمثلت المحصلة النهائية فى أن أكثر من 75٪ من الموازنة العامة يوجه للإنفاق على الأجور والدعم وفوائد الدين العام، تاركاً نسبة أقل من 25٪ للإنفاق على صيانة وتطوير البنية الأساسية والخدمات المقدمة للمواطنين من تعليم وصحة وإسكان ومرافق. دون زيادة مقابلة فى الإنتاج وهو ما أدى لارتفاع الدين العام الداخلى والخارجى.
لقد انعكس تراجع الإنتاج على اختلال أوضاع ميزان المدفوعات، فارتفعت فاتورة الواردات إلى ما يزيد على 61 مليار دولار خلال عام 2014/2015، مقارنة بـ5 مليار دولار عام 2010/2011، وفى المقابل شهدت الصادرات تراجعاً ملحوظاً خلال ذات الفترة من نحو 27 مليار دولار إلى 22 مليار دولار، كما شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً كبيراً فى أعداد السائحين لتصل إلى نحو 10 ملايين سائح، مقارنة بما يقرب من 15 مليون سائح عام 2010، وهو ما ترك أثره على انخفاض صافى الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبى بشكل حاد، وتراجع عدد شهور الواردات السلعية، التى يغطيها صافى الاحتياطيات الدولية إلى نحو 3.2 شهر، مقارنة بأكثر من 8 شهور فى يونيو 2010.
نقطة البداية فى أى إصلاح هى أن نعترف بحاجتنا للإصلاح، وإلا فدعونا نمُت فى صمت.