معتز بالله عبد الفتاح
فى الوقت الذى أصبح فيه الهم الأكبر للمصريين الحديث عن التسريبات والفضائح وتشويه السمعة، تتحرك الدول والجماعات المحيطة بنا كى تفرض نفسها على العالم.
بين مَن يبنى سداً بل سدوداً حتى ينتهى به الحال كى يبيع لنا الماء والكهرباء (إثيوبيا)، ومن يتوسع أرضاً كى يكسب مساحات جديدة على الأرض (داعش)، ومن يناور كى يحتفظ بمشروعه النووى العسكرى (إيران)، نحن نغفل هؤلاء ونضيع وقتنا فى ما لا يفيد.
كتب جيفرى لويس، ومدير برنامج حظر الانتشار بشرق آسيا فى مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووى، مقالاً نشرته مجلة «فورين بوليسى» تحت عنوان «ماذا يعنى غلق ملف برنامج إيران للأسلحة النووية؟»، استهله قائلاً إن الاتفاق النووى الإيرانى يقترب من علامة فاصلة جديدة، تتعلق هذه المرة بالتحقيق الذى أجرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول برنامج إيران للأسلحة النووية قبل عام 2003. إذ يتطلب الاتفاق أن تسلم الوكالة الذرية بحلول نهاية هذا العام «تقييماً نهائياً بشأن حل جميع القضايا العالقة فى الماضى والحاضر» وأن يصدر مجلس الوكالة قراراً «بغية إغلاق القضية».
وباختصار، فإن شروط الاتفاق بين إيران والغرب تتطلب أن تتوصل الوكالة الدولية إلى قرار بشأن المزاعم المتعلقة بامتلاك إيران لبرنامج للأسلحة النووية. وسلم مدير عام الوكالة تقييمه النهائى يوم 2 ديسمبر بينما صاغ مجلس الوكالة مشروع القرار لإغلاق الملف، الذى سيجرى تمريره خلال اليومين القادمين، ما يعنى اقتراب «يوم التنفيذ»، ربما فى أوائل شهر يناير المقبل، الذى ستنفذ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وإيران بقدومه الجزء الأكبر من التزاماتها. ويواجه التنفيذ المطرد للاتفاق بالمعارضة نفسها التى استهدفت كل خطوة من هذه العملية. إذ يبغض البعض فكرة التوصل إلى حل دبلوماسى للأزمة النووية مع إيران، ويرفضون كل خطوة تُتخذ على طريق تنفيذ الاتفاق. وهناك آخرون أيضاً غير راضين، مثل معهد العلوم والأمن الدولى الذى يعارض مشروع القرار الخاص بغلق ملف الأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووى الإيرانى رغم حياديته بشأن مزايا خطة العمل المشترك الشاملة.
إن غلق الملف لا يعنى نهاية هذه المسألة بالنسبة للبعض لأن إيران لم تعترف بامتلاك برنامج أسلحة قبل عام 2003 رغم أن الأدلة التى جمعتها الوكالة الذرية تثبت أنها كانت تحاول صنع قنبلة نووية، ولكن إيران لن تعترف بالقيام بذلك أبداً، وعلاوة على ذلك لم يكن اعترافها ليحسن فهم الوكالة للجهود الإيرانية السابقة لصنع قنبلة، ولكنه كان سيُستخدم كأداة من قِبل أولئك الذين يريدون تقويض الاتفاق.
وبصورة عامة، يؤكد تقرير الوكالة الدولية صحة تقديرات الاستخبارات الأمريكية حول امتلاك إيران لبرنامج أسلحة سرى حتى عام 2003، وكذلك المزاعم حول استمرار بعض الأنشطة حتى عام 2009. ويلفت الكاتب إلى أن إغلاق الملف لا يمحو سجل إيران ولا يزيل جرائمها السابقة، ولكنه سيمكن الجهات المعنية من التحرك نحو تنفيذ بنود الاتفاق النووى الذى يفرض قيوداً على برنامج إيران النووى ويوفر شفافية إضافية، ولا يعنى غلق الملف خروج هذه المسألة من يد الأمم المتحدة؛ إذ ينص قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذى يؤيد خطة العمل المشترك الشاملة، على أن المجلس «يقرر أن يُبقى المسألة قيد نظره». فإذا لم تلتزم إيران ببنود الاتفاق، سيكون مجلس الأمن هو الحكم النهائى فى أى نزاع والمسئول عن تنفيذ عملية إعادة فرض العقوبات، كما أنه لا يعنى أيضاً أن إيران لم تعد خاضعة لمراقبة دقيقة غير عادية من قبل الوكالة الذرية. فلا تزال الوكالة تضطلع بمهمة التحقق من امتثال إيران لشروط الاتفاق، ومن ثم تتمتع بصلاحيات موسعة لمراقبة البرنامج النووى الإيرانى.
إيران تراوغ بمهارة حتى لا تقضى على حلمها بأن تكون قوة نووية مدنياً وعسكرياً وغالباً سينجحون.