معتز بالله عبد الفتاح
لقد لفظ المصريون الحزب الوطنى وجماعة الإخوان المسلمين والكثير من المنتمين إلى النخبة السياسية المدنية.
لقد فقد قطاع واسع من المصريين ثقتهم فى كل هؤلاء، بل أزعم أن أى مرشح له خلفية عسكرية وحضور معقول فى الشأن العام كان سيفوز على أى مرشح مدنى، سواء كان ليبرالياً أو يسارياً أو محافظاً دينياً.
إذن، لا تخذل المصريين مثل هؤلاء.
الرسالة الثانية:
هناك فائزون بعد هذه السنوات الثلاث، وأولهم المصريون الذين أثبتوا بعد أن خضعوا لواحد من أقسى اختبارات الصلابة والتماسك المجتمعى أنهم فعلاً مجتمع واحد متجانس وقادر على أن يستوعب تناقضاته، وأن يطرد منه من لا يتوافق مع قيمه، القيم التى أسميها: «مصر العميقة»، التى هى محصلة تفاعل المجتمع العميق والدولة العميقة.
«مصر العميقة» هى مصر التى تعبر عن التيار الوطنى العام للمصريين بلا تحيّزات أيديولوجية أو انقسامات حزبية. التيار الوطنى العام مستعد لأن يقبل داخله أياً ممن يريد أن يعيش فيه طالما هو يقوم بدور الوكيل عنه وليس المتحكم فيه. ولهذا قبل ملايين المصريين الإخوان فى البداية، لأنهم أبدوا رغبة فى أن يكونوا جزءاً من التيار الوطنى العام برفع شعارات «المشاركة لا المغالبة»، لكنهم لعبوا بالنار، ولم يكونوا ماهرين، كما كررت قبل 30 يونيو فى هذا المكان، لأنهم غير مدركين أن المجتمع لن يقبل بهم إلا بالشروط التى أعلنوها، وهى أنهم حاكمون مؤقتون وليسوا متحكمين دائمين.
إذن، نحتاج منك أن تكون رئيساً لمجلس إدارة مصر والعضو المنتدب لإدارتها، نحتاج منك أن تكون موظفاً أجيراً يعمل لله والوطن والحياة الكريمة وليس حاكماً مستبداً يأمر فيُطاع.
الرسالة الثالثة:
لا تغتر.
إن الله سبحانه وتعالى هو المعز المذل. ومن تمر به هذه الأيام ولا يعتبر، فليشرع فى إعادة حساباته الأخلاقية والإنسانية. ومن لم يقرأ القرآن الكريم من فترة، فليشرع فى قراءة سورة القصص وتحديداً الآيات من 76 إلى نهاية السورة. هذه الآيات التى تحكى قصة «قارون» تلخص لنا فتنة البحث المرضى عن المكانة. وهو اضطراب نفسى وسلوكى، له أعراضه؛ فهناك أشخاص باحثون عن المكانة بشكل مرضى، كما يقول علم النفس السياسى ويسعون إليها من خلال الشهرة أو المال أو السلطة، حتى لو تجاوزوا فى سبيل ذلك كل الاعتبارات الأخلاقية.
وهذا السعى الموبوء نحو المكانة الشخصية، هو ما جعل الكثير من كتّاب الزهد فى كل الحضارات والفلسفات يحذرون منها، لأنها يمكن أن تُفضى إلى الهلكة الشخصية والجماعية. وأتذكر قول أحد التابعين عن فضل الزهد (الذى هو خلو القلب مما رأته العينان) والقناعة (التى هى خلو القلب مما لا تملكه اليدان) حين قال: «إننا فى راحة بال، لو يعلمها الملوك لحاربونا عليها بالسيوف».
هذه الأيام أيام اعتبار بحق. قارون ليس قصة فى القرآن فقط، وإنما هو جزء من واقع نعيشه. قال له الناصحون «لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ» أى المبالغين فى الافتخار بأنفسهم ظناً منهم أن عطاء الله لهم دليل رضى وحظوة، وإنما حقيقة هو جزء من الابتلاء؛ فالإنسان يُبتلى بالمنع وبالعطاء. قال له الناصحون «وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ». فقال فى صلف: «إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى».
إن كل «قارون» فى كل عصر فتنة لغيره. وقد «قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» ورد أهل العلم: «وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ».
فأرانا الله فيه آية بعد أن خسف به وبداره الأرض، «وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ (أى عجباً) اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا».
إذن، الحذر أن نتخذ وطننا ومجتمعنا مطية لتحقيق مكانتنا الشخصية.
الرسالة الرابعة:
نعلم أنك وأننا معك أمام مهام صعبة للغاية، ولكن بحسن التبصّر يمكن أن ننجح. أنت مطالب، ونحن معك، بخماسية: تنمية بلا فساد، أمن بلا استبداد، حياة سياسية جامعة بلا استبعاد، إخراج القوات المسلحة من السياسة بلا عناد، دور إقليمى نشط بلا استعداء.
وكل مطلب من هذه المطالب بحاجة إلى فريق عمل (Task Force) يديره وبسرعة. ليبيا بجوارنا وبحاجة إلينا قبل أن تتحول إلى سوريا أخرى. على مصر أن تدعو إلى مؤتمر تحت مظلة الجامعة العربية لوزراء خارجية دول الجوار الليبى وغيرها لإنقاذ ليبيا. القضية ليست فقط فى المليون ونصف المليون مصرى الذين سيعودون إلى مصر لو تدهورت الأمور أكثر، ولكن كذلك فى أن ليبيا لو ضاعت فلن تعود.
وهكذا فى كل القضايا المطروحة على الرئيس. بنية مؤسسة الرئاسة وتشكيلها مسألة فى منتهى الأهمية، لأن الملفات متنوعة ومتشابكة للغاية. ووجود مؤسسة رئاسة قوية يقتضى التفرقة بين الأشخاص المعروفين على مسرح الأحداث (stage people)، وأولئك الذين يعملون بعيداً عن الأَضواء (kitchen people). هؤلاء غير أولئك.
إذن، أحسن وأسرع فى اختيار معاونيك واستفد من بنى مؤسسات الرئاسة فى الدول الأنجح على مستوى العالم.
الرسالة الخامسة:
سبحانه وتعالى يعطى من يشاء بفضله، ويمنع من يشاء بعدله، ولا يسأله مخلوق عن عِلة فعلِه، ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله. سبحانه، قد يعطى وهو يمنع، وقد يمنع وهو يعطى، وقد تأتى العطايا على ظهور البلايا، وقد تأتى البلايا على ظهور العطايا، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم. والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
اللهم قدر الخير لمصر.
آمين.
"نقلا عن جريدة الوطن "