كتب الأستاذ الدكتور نصر عارف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مقالاً مهماً، أرجو قراءته بعناية.
يقول الرجل: بعد انتهاء أيام العزاء الثلاثة فى والدى، رحمة الله عليه، وبعد منتصف تلك الليلة دار حديث فى المندرة بين مجموعة من أقاربى حول أوضاع مصر، وكنت المستمع المراقب الحزين.
وفى ذروة الخلاف، ارتفع صوت أحدهم، وهو غير متعلم، ولا يعمل، شرس الطباع، ميت القلب، قهر الفقر فصار أفقر منه، يعرفه كل ضباط الشرطة فى مركز سوهاج، لكثرة القضايا الجنائية التى كان طرفاً فيها، من أشد المناصرين للإخوان والرئيس الأسبق «مرسى»، وبنبرة حادة، واثقة، قال: هى جولة انتصر فيها «السيسى».. والجولة الجاية لـ«مرسى».
هنا سقط السقف فوق رأسى، ودارت بى ساحة المندرة حتى كدت أسقط أرضاً.. كيف وصل ذلك الفلاح الأمى، المخالف دائماً للقانون، المتمرد عليه إلى هذه القناعة؟ وأنا أعرف جيداً أنه بعيد كل البعد عن جميع أنواع الجماعات الدينية، وعن التديّن ذاته، وأعرف أيضاً أنه لا يقرأ كتباً، ولا صحفاً، وبالكاد يشاهد التليفزيون. وما دلالة أن يكون مثل هذا الشخص على هذه القناعة بأن العلاقة بين الدولة والإخوان هى جولات من المصارعة أو الملاكمة؟
هنا أدركت أن قطر وتركيا استطاعتا بوسائلهما المختلفة أن تحققا ما خططتا له، وهو المراهنة على عنصر الزمن؛ انتظاراً للجولة الثانية من المواجهة، وأن هذه الجولة الثانية يتم الإعداد لها بمنتهى الدقة.
وما بين الثورة والجولة يرتهن مستقبل مصر، ويتم تدمير بنيتها التحتية، ويُخرّب اقتصادها، وفوق كل ذلك، وأهم من كل ذلك يسقط خيرة شبابها ضحايا هذا الإجرام المنظم الذى يعد المسرح للجولة المقبلة، وما بين الثورة والجولة، يتشتت الشعب، ويتم تمزيق النسيج الاجتماعى، ويتصارع الإخوة، والأزواج، والأصدقاء، والأهل، ما بين مؤيد للثورة، ومن ينتظر الجولة، انقسام اجتماعى مع مرور الزمن يتعمّق ويتسع، وما كان له أن يكون لو تم التعامل منذ اليوم الأول بمنطق الدولة المصرية، وليس بمنطق الخوف من الانتقادات الدولية. وللخروج من ثنائية الثورة والجولة كان يجب أن يتم، وبمنتهى الحزم، اتخاذ الخطوات الآتية:
أولاً: تجريم جميع السلوكيات التى تطالب بعودة «مرسى»، أو وصف عودته بعودة الشرعية، أو التعامل مع ثورة 30 يونيو على أنها انقلاب، سواء أكانت هذه السلوكيات فعلية فى صورة مظاهرات، أو قولية فى القنوات الفضائية، ومواقع الإنترنت، سواء داخل مصر أو خارجها.
ثانياً: إبعاد جميع محاكمات «التنظيم» عن وسائل الإعلام وإصدار قرارات حظر نشر لجميع المحاكمات، كما هو متبع فى جميع أنحاء العالم فى القضايا التى تمس الأمن القومى، أو استقرار المجتمع.
ثالثاً: التعامل مع تركيا وقطر، وبدرجة أقل السودان، بصورة أكثر حزماً فى كل ما يتعلق بدعم «التنظيم»، أو إيواء عناصره، أو فتح مجال لهم لممارسة عمل سياسى مضاد للدولة المصرية، ومحرض ضد استقرارها، مع الاحترام الكامل لحق أعضاء «التنظيم» فى الإقامة والعمل فى أى دولة ما داموا لا يتخذون أراضيها منصة للعمل السياسى ضد مصر.
رابعاً: تجريم جميع أنواع السلوكيات التى تشكك فى شرعية النظام السياسى فى مصر، سواء أصدرت هذه السلوكيات عن أعضاء «التنظيم» أو عن أى حركة أو حزب أو جماعة أخرى.
خامساً: البدء بعملية إصلاح حقيقى لجهاز الشرطة من خلال عملية تدريب شاملة تجعله أكثر حرفية، وأكثر التزاماً بحقوق الإنسان، حيث إن السلوكيات المنفلتة لبعض أعضاء جهاز الشرطة هى أول دوافع الانتماء للجماعات الإجرامية.
سادساً: البدء بعملية شاملة وسريعة وجذرية لمحاربة الفساد ومعاقبة المفسدين بصورة علنية وحاسمة، بغض النظر عن حجم الفساد، ومكانة المفسدين ومنزلتهم الاجتماعية.
سابعاً: إعادة هيكلة جميع أجهزة الإعلام الحكومية والخاصة، لأنها أصبحت تقود إلى نتائج سلبية، على الرغم من قناعة القائمين عليها أنهم يعملون لمصلحة الدولة المصرية.
هذه الخطوات السبع كانت كفيلة بالقضاء على ثنائية الثورة والجولة، ووضع مصر على مسار الثورة، ويصبح على الجميع التزام وسائل العمل السياسى السلمى، انتظاراً للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.