معتز بالله عبد الفتاح
ابتُليت هذه الأمة بأناس لديهم قدرة هائلة على تشويه كل ما هو جميل، وتدمير كل ما هو مفيد ووضع ديننا فى موضع المتهم، والدين منهم براء.
يوم الاثنين الماضى تناقلت وسائل الإعلام مقطعاً مصوراً أصدرته الجماعة المسلحة النيجيرية التى تدّعى وصلاً بالإسلام وتعطى لنفسها صفة «الإسلامية» تحت اسم «بوكو حرام» (أى التعليم الغربى حرام) وأصبحت معروفة سياسياً بأنها «طالبان نيجيريا».
الجماعة قامت بخطف أكثر من مائتى تلميذة نيجيرية، فى مقابل إطلاق سراح عدد من السجناء التابعين للجماعة. خرجت الفتيات جميعهن فى الفيديو الأخير يرتدين الحجاب، وقال أبوبكر شيكاو، زعيم الجماعة المسلحة، إن الفتيات اعتنقن الإسلام أثناء وجودهن داخل المحبس. وأذاعت الجماعة فيديو مدته نحو 17 دقيقة أظهرت فيه نحو 100 فتاة وهن يرتدين الحجاب ويصلين فى مكان لم يكشف عنه حتى الآن.
هل هذه سياسة أم هذه دين؟
لقد أساء هؤلاء أبلغ إساءة لديننا وخلطوا الصالح بالطالح، وقرروا أن يخدموا «الإسلام» بزعمهم بطريقة تتناقض معه بل وفى الحقيقة تضر سمعته، بل أزعم أن الكثيرين منا يفعل ذلك.
نحن لدينا استعداد دائم لأن نخدم قضايا أعدائنا ضد أنفسنا.
لا أنسى محاضرة لسلمان رشدى حضرتها فى الخارج وكيف أنه يعتبر نفسه محظوظاً بسبب فتوى الإمام الخمينى بإهدار دمه التى أدت إلى أن تزداد روايته التافهة «آيات شيطانية» مبيعاً. تلك الرواية التى طبعت منها إحدى دور النشر البريطانية خمسين ألف نسخة، ومن خبرة سلمان رشدى مع رواياته الثلاث السابقة كان هذا العدد من النسخ يتطلب أربعة أعوام حتى ينفد.. إلى أن قرر الإمام الخمينى أن «يدافع عن الإسلام» فأصدر فتواه الشهيرة التى بموجبها أصبح سلمان رشدى مطلوباً للقتل وأصبح كتابه واحداً من أكثر الكتب مبيعاً فى العالم ووصلت مبيعاته فى عام 1990، أى بعد عام من الفتوى الشهيرة للإمام الخمينى، إلى 4 ملايين نسخة بثمانى لغات. أى بدلاً من أن الكتاب كان يقرأ بمعدل خمسين ألف نسخة فى الأربع سنوات أصبح يقرأ بمعدل 4 ملايين نسخة فى العام الواحد، ولا تزال الرواية تباع على نطاق واسع حتى الآن، ويالها من خدمة للإسلام!
والأمر لم يكن بعيداً عن الدور العبقرى الذى لعبه المسلمون ضد دينهم بأن حولوا صحيفة محلية تافهة فى الدنمارك إلى المصدر الرئيسى للأخبار عن الإسلام والمسلمين بعد أن نشرت رسوماً تافهة للرسول، عليه الصلاة والسلام. وياله من دين لو كان له أتباع عقلاء.
أتذكر ما فعله رسولنا الكريم حينما أراد أن يحافظ على سمعة الدين وعلى مصداقيته بأن رفض نصيحة عمر بن الخطاب بأن يقتل عبدالله بن أُبَىّ ابن سلول الذى كاد يحدث فتنة بين المسلمين بعد غزوة «بنى المصطلق» فقال: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز (يقصد الأنصار) منها الأذل (يقصد المهاجرين). لكن الرسول الكريم رفض قتله قائلاً: «حتى لا يشيع فى الناس أن محمداً يقتل أصحابه» فيعرف العرب عن الإسلام من أعدائه وليس من أتباعه.. ففضل عليه السلام أن يحتمل أذى المنافق عن أن يخسر الدين مصداقيته.
ويقول الأستاذ العقاد، معلقاً: هل نفهم من موقف الرسول الكريم أنه يقبل الباطل الذى يأباه «عمر»؟ الإجابة بالنفى القاطع. لكن «عمر» تسيطر عليه روح الجندى المحارب، التى أحسبها تسيطر على فكر الكثيرين من الذين يهرعون للمصادرة والمنع والخطف؛ فالفرق بين الرسول «محمد» وخليفته «عمر»، كما يشير العقاد، كالفارق بين الإنسان العظيم والرجل العظيم. فالإنسان «محمد» يعرف دروباً من الباطل، ويعرف دروباً من الإنكار لأنه يعرف ما فى النفس الإنسانية من عوج وتعريج وتتابعها بين قوة وضعف وخير وشر وصحة ومرض يجعل المنع بل والسيف واحداً من وجوه الإنكار وليس الوجه الوحيد.
يا له من دين، لو له أتباع عقلاء!
نقلا عن جريدة "الوطن"