معتز بالله عبد الفتاح
حين عرفت بخبر اختيار المستشار أحمد الزند وزيراً للعدل، وجدت نفسى حائراً. أعرف الرجل: صلابته، حماسه، بلاغته، شجاعته. ولكن فى الوقت نفسه أعرف أن هذا المنصب، أى منصب وزير العدل بطبيعته، منصب له تقليد فى اختيار من يشغله. وحين ترشيح أسماء للمناصب الوزارية المختلفة كان عادة ما يقال عند اختيار وزير العدل أن يكون شخصية غير معروفة شعبياً أو إعلامياً وألا تكون له معارك سابقة فى أى اتجاه حتى لا ينعكس على أدائه أثناء توليه الوزارة، وكأنه مطلوب أن يكون اسم وزير العدل مفاجأة لغير المشتغلين بالعمل القضائى، ومعروفاً فقط بين أقرانه من السادة القضاة والمستشارين.
بعض منتقدى الرجل قالوا إنه حصل على منصبه «مكافأة» على دوره فى 30 يونيو وما قبلها من مواجهة الإخوان.
ومن معرفتى بالرئيس السيسى، هو لا يفكر بهذه الطريقة.
ومن معرفتى بالمستشار الزند، هو لا يقبل أن يصل إلى الوزارة بهذه الطريقة.
ظللت من بعيد أتابع التجربة، وبذلت جهداً فى فهم سبب الاختيار.
فتبين لى ما يلى:
أولاً، الرئيس السيسى وفريق عمله ينتقلون فى العام الثانى من مرحلة قبول الوزير التكنوقراطى، الذى هو أقرب إلى تسيير الأعمال وإطفاء الحرائق إلى مرحلة الوزير قوى الشخصية، صاحب الرؤية لتطوير وزارته، المستعد لاتخاذ قرارات فى الصالح العام حتى لو كانت غير شعبية، لكنه يستطيع تسويقها بتوضيح تأثيرها الإيجابى على المدى الطويل.
ثانياً، التخوف التقليدى من أن الأشخاص المعروفين إعلامياً وشعبياً سيأتون إلى موقع صنع القرار، ومعهم عبء ثقيل من الرافضين والمعترضين، وبالتالى الأفضل تجنبهم. هذا التخوف تراجع بشدة بعد أن تبين للرئيس وفريق عمله أن قطاعاً واسعاً من الكفاءات هى بالفعل معروفة إعلامياً وشعبياً، وخاضت معارك كثيرة انتصرت فى الكثير منها، وبالتالى ستدخل إلى موقع صنع القرار، وهى مدربة على التعامل الجماهيرى والإعلامى بما اكتسبته من خبرات قبل الوصول إلى المنصب، وهنا تكون شهرة الشخص وتاريخه المعروف عنصراً إيجابياً، وليس عنصراً سلبياً.
ثالثاً، لو كان المعيار معظم الوقت أن نبحث عن أشخاص لم يكونوا على اتصال مباشر (دعماً أو رفضاً) بالحزب الوطنى أو الثورجية أو الإخوان، أو لا تشاع حولهم انتقادات أو ملاحظات من خصومهم السياسيين، فغالباً نحن نفقد الأغلبية الكاسحة من كفاءاتنا. وهذا فى التحليل الأخير ليس فى مصلحة مصر. وقد قلت من قبل: لا ينبغى لحكومة مصر أن تدار من مدينة الإنتاج الإعلامى.
رابعاً، من متابعتى غير المنتظمة لما قام به المستشار الزند حتى الآن بعد أن وصل إلى منصب وزير العدل، أعتقد أن المؤشرات إيجابية، والرئاسة مرتاحة للاختيار، وأغلب المستشارين مرحبون. العديد من المستشارين يرون فى الرجل أنه صاحب رؤية تحترم القضاء والقضاة، لا يدخل فى معارك مفتعلة ولا ينجرف إليها، بل أزعم أن الرجل ينتظره ما هو أكثر من منصب وزير العدل.
خامساً، قد نجد فى المقابل نوعية مختلفة من الوزراء والمحافظين بعد أن شاع بيننا من يخافون أن يوقعوا على ورقة، ومن يجدون فى تجنب المواجهة أو طرح حلول منهجاً حتى لو على حساب البلد.
أزعم أن هذا البلد فيه كفاءات كثيرة فى مجالات كثيرة يمنعنا عنها حواجز غير موضوعية وتخوفات غير منطقية تضر أكثر مما تنفع. ويا رب نكون على الطريق الصحيح مع العام الثانى من حكم الرئيس السيسى.