معتز بالله عبد الفتاح
يبدو أن هناك اتجاهاً للتعامل مع رقم 25 مليوناً وكأنه المستهدف من المشاركة فى التصويت الانتخابى على أساس أنه يساوى رقم من شاركوا فى انتخابات 2012 التى انتهت بالدكتور محمد مرسى إلى رئاسة الجمهورية. إن الوصول إلى هذا الرقم يعد تحدياً حقيقياً لأن هناك قطاعاً من المصريين ممن صوتوا لمرشحى التيار المحافظ دينيا (مرسى، وأبوالفتوح، والعوا) قرروا مقاطعة التصويت. وهؤلاء يقدر عددهم فى الجولة الأولى لانتخابات 2012 بنحو 7 إلى 8 ملايين صوت.
ولو أضفنا إليهم قطاعاً من شباب الثورة الذين يظنون أن هذه الانتخابات مجرد مسرحية ستنتهى بإذعانهم لمرشح الدولة الذى يرون فيه أنه كان طرفاً فى عملية صنع القرار سواء فى ظل المجلس العسكرى فيما بعد 25 يناير أو مجلس الوزراء فيما بعد 30 يونيو، لو أضفنا هذا الرقم فغالباً سيكون إجمالى المقاطعين فى حدود مليون آخر أو أكثر. هذا عن المقاطعين سواء لأنهم مرسيون (أى من مدرسة مرسى راجع) أو لأنهم معترضون على مسار ما بعد 30 يونيو أو لأنهم يريدون بديلاً ثالثاً غير البديلين المطروحين.
هناك بُعد آخر مرتبط بالمتكاسلين الذين يظنون أن أصواتهم ما كانت لتغير النتيجة سواء لأنهم ضمنوا أن مرشحهم قد فاز أو أن مرشحهم قد خسر الانتخابات، وبالتالى نزولهم يستوى عندهم مع عدم نزولهم.
ويضاف إلى كل هؤلاء قطاع من المصريين المغتربين داخل مصر الذين لم يقوموا بتغيير محال إقامتهم فى الشهر العقارى خلال الفترة التى حددتها اللجنة العليا للانتخابات.
إذن مجموع هؤلاء رقم كبير مخصوم من الكتلة التصويتية الفعلية، التى هى عادة نصف الكتلة التصويتية الرسمية لمن لهم حق الانتخاب والذين يبلغ عددهم 54 مليون مصرى تقريباً.
هل كل هذا ينال من شرعية الرئيس القادم؟
قانونياً، الأصل فى الأمور أن الانتخابات بمن حضر، ما لم ينص القانون على غير ذلك، ولكن هناك دلالات سياسية لا يمكن إغفالها.
أولاً، أساليب الحشد الإعلامى التقليدية أصبحت أقل تأثيراً بمرور الوقت. بل أزعم أن الحشد المبالغ فيه من قِبل الإعلام كان له تأثير عكسى.
ثانياً، الفزع من الإخوان الذى كان موجوداً قبل وأثناء وبعد 30 يونيو وحتى التصويت على دستور 2013 تراجع تأثيره السياسى.
ثالثاً، قطاع من شباب الثورة النشط سياسياً اختار «النضال» خارج الأطر الرسمية على حساب «المعارضة» داخل الأطر الرسمية.
رابعاً، هناك من سيتاجرون بالأرقام ويصورون أن عدم الوصول إلى رقم محدد معناه أنهم يرفعون شعار «مرسى راجع»، وهو ما يتناقض مع منطق الأشياء بأنه لا يمكن أن ينسب إلى ساكت قول؛ فسكوت الناس على التصويت لا يعنى الرغبة فى عودة «مرسى» وإنما هو يفهم فى سياق قطاعات المجتمع المختلفة التى ذكرت فى هذا المقال.
خامساً، لو فاز أى من المرشحين، «السيسى أو صباحى»، برقم أعلى من 13 مليوناً التى حصل عليها الدكتور مرسى، فيمكن لأنصار الرئيس الفائز الادعاء بأن الشعب أعطى تفويضاً للرئيس المنتخب فى 2014 بأكثر مما فوّض الدكتور مرسى.
سادساً، التيار الوطنى العام للمجتمع المصرى مستعد لأن يقبل داخله كل من يضع مصر فوق أى مصالح شخصية أو حزبية أو فئوية.
سابعاً، لا أخفيكم سراً أن مجمل المشهد السياسى والانتخابى فى مصر لا يرضينى، وأعتقد أن «اللحظة الأتاتوركية» طالت بأكثر مما ينبغى، وتحالف 30 يونيو تفتت بأسرع مما ينبغى. ولا نزال غير قادرين على استخدام أدوات «التسويق السياسى» التى تضمن لنا فعالية أكبر فى إقناع، وليس حشد، قطاعات واسعة من المجتمع لأن تنضم إلى التيار العام فى الوطنية المصرية.
نقلا عن جريدة "الوطن"