توقيت القاهرة المحلي 06:35:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سؤال من دراسة: هل إسرائيل أكثر إسلاماً؟

  مصر اليوم -

سؤال من دراسة هل إسرائيل أكثر إسلاماً

معتز بالله عبد الفتاح

قام باحثون فى جامعة جورج واشنطن الأمريكية بوضع مؤشر مركب لمدى التزام «الدول» (وليس الأفراد) بالقيم الإسلامية العليا. بعبارة أخرى ركزوا على القيم الإسلامية التى يتبناها القرآن الكريم والسنة والنبوية المطهرة مثل العدالة والتراحم والمساواة والعطف على ذوى الحاجات واحترام القانون وتشجيع القراء والتعلم وغيرها.

وقارن الباحثون بين دساتير 218 دولة وأسس حكمها واقتصادها وتعاملها مع المواطنين وبين 113 مبدأ إسلامياً مستمداً من القرآن والسنة فيما يتعلق بالعدالة وتوزيع الثروة والحريات والاقتصاد وغيرها من القيم التى يفترض أن تلتزم بها الدول ذات الأغلبية المسلمة متى التزمت بالقيم الإسلامية.

أهم ما وصل إليه البحث أن الدول العربية والإسلامية تقبع فى مراكز متأخرة ضمن قائمة الدول التى تطبق تعاليم الإسلام.

يقول البروفسور «حسين أسكارى» من جامعة جورج واشنطن -شعبة إدارة الأعمال الدولية والعلاقات الدولية- إن الدول ذات الأغلبية المسلمة ليست هى التى تحتل المراتب الأولى فى الالتزام بالقرآن والسنة فى إدارتها لشئون دولهم، بل إن دولاً مثل أيرلندا والدانمارك ولوكسمبورج تأتى على رأس اللائحة.

واحتلت ماليزيا، كأول دولة مسلمة فى المؤشر، المرتبة 33، والكويت المرتبة الخمسين، بينما جاءت مصر فى المرتبة 128، والمغرب فى المرتبة 120، وتونس فى المرتبة 72، وجاءت اليمن فى المرتبة 180، والسعودية فى المرتبة 91، وقطر فى المرتبة 111، وسوريا فى المرتبة 168. والجدير بالذكر أن إسرائيل جاءت فى المرتبة 27.

ويفسر البروفيسور «أسكرى» حصول الدول الإسلامية على مراتب متدنية بعدم التزام الكثير من الحكام بقواعد الحكم الرشيد واستعمال الدين كوسيلة للوصول إلى السلطة والبقاء فيها حتى ولو دون قبول طوعى من الجماهير وإضفاء الشرعية على نظام الحكم حتى لو كان فاشلاً، بينما تنص تعاليم القرآن على أن الازدهار الاقتصادى جيد بالنسبة للمجتمع.

إذن هذا المؤشر لا بد أن يُفهم فى ضوء خمسة محاذير:

أولاً، هو ليس مؤشراً للتدين الفردى لآحاد الناس، ولكنه مؤشر على مدى التزام الدولة رسمياً فى دساتيرها وقوانينها وفعلياً فى ممارساتها وإجراءاتها بالقيم الدينية العظيمة التى جاءت فى القرآن العظيم وفى السنة النبوية المطهرة. ومن هنا نجد أنفسنا أمام المعضلة التى تحدث عنها الإمام محمد عبده بعد أن عاش فى أوروبا لفترة: «وجدت هناك إسلاماً بلا مسلمين، ووجدت فى بلاد المسلمين مسلمين بلا إسلام». العدل والمساواة أمام القانون واحترام كرامة الإنسان فى الكثير من الدول الغربية والشرقية أكثر كثيراً مما نراه فى الكثير من الدول التى ترفع شعارات إسلامية. وهو استنتاج يؤيده كتابى «المسلمون والديمقراطية» الصادر باللغة الإنجليزية والمترجم إلى اللغة العربية حين أوضحت أن نسبة غالبة من المسلمين المقيمين فى الغرب يرون فى مجتمعات الغرب فرصة لاحترام قيم وتعاليم الإسلام أكثر من الكثير من مجتمعات المسلمين التى وُلدوا فيها.

ثانياً، الشريعة من الله، والشرعية من البشر. الشريعة هى القانون الإلهى الموجود فى كتاب الله وسنة نبيه، عليه الصلاة والسلام، أما الشرعية فهى القبول الطوعى من الناس. إن ادعى الحاكم فى أى دولة عربية أو ذات أغلبية مسلمة أنه يحكم بشريعة الله ضد شرعية البشر فقد اختار المتاجرة بالشريعة دونما اعتبار للشرعية وانتهينا إلى حكم لاهوتى هو أصلاً خارج عن صحيح الشريعة التى تأمرنا بالشورى والمبايعة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (بالحكمة والموعظة الحسنة) كضمان لرضا المحكومين الحر أو على الأقل قبولهم. ومن أراد أن يحكمنا بلا شرع وإنما فقط بشرعية البشر، فقد اختار علمانية لا تناسبنا حتى لو ناسبت غيرنا. ولهذا لا نريدها لاهوتية بلا شرعية أو علمانية بلا شريعة. التوازن بين الأمرين يضمن الاستقرار والاستمرار والازدهار حتى لا ندخل فى متاهات تعزلنا عن هويتنا وتفتح احتمالات صراعات على الهوية ينبغى أن نتجاوزها لما هو أهم منها.

نعم، تاريخ المسلمين فيه أخطاء، كما هو تراث غنى بالإنجاز وتجارب تستحق التبصر والتعلم. وعلينا أن نفرق بين خطأ المنهج وخطأ البشر. وأخطاء المستبدين باسم الإسلام لا تؤخذ على شرع الله، كما أن أفعال بن لادن لا تؤخذ على الإسلام حتى وإن ادعى أنه فعل ما فعل بوحى منه.

علينا أن نتمسك بالمنهج وأن نتدارس لماذا انحرف المنحرفون عنه سواء فى تاريخنا أو فى أيامنا هذه. إن انحراف التطبيق لا يقدح فى المرجعية، ولو كان فى تاريخنا وواقعنا من أساء استغلال مساحة «الاجتهاد البشرى» فى المنهج فإن من واجبنا أن نعيد لهذه المساحة من القواعد ما يعيد للشعب أن يبقى بيده مصدر «الشرعية» مع التسليم بأن يكون «التشريع» لله مع استصحاب الكم المهول والكيف الثرى من اجتهادات العلماء والفقهاء والمفكرين والفلاسفة بمن فيهم الليبراليون والاشتراكيون واليساريون الذين لهم تحفظات تستحق العناية واجتهادات تستحق المناقشة.

ثالثاً، لقد نمنا فى النور (نور مبادئ ديننا العظيم)، واستيقظ غيرنا فى الظلام، ولكنهم سبقونا لأن «العقل» عندهم سبق «النقل» عندنا. إن بلدنا لا بد أن يكون أكثر ديمقراطية ومدنية ومساواة وحرية وتأكيداً على قيم المواطنة واحترام القانون والشفافية والمساءلة والتداول السلمى للسلطة واحترام الكفاءة وضمان تعدد مراكز صنع القرار مع وجود ضمانات ألا يخرج أى منا على الشرعية أو الشريعة.

التحدى الأكبر الذى يواجهنا هو مواجهة عشرة أمراض عششت فينا ولم نزل غير قادرين على مواجهتها: الجهل، الفقر، المرض، الاستبداد، الفساد، التطرف، الإهمال، الإرهاب، الادعاء، الإنجاب بلا حساب.

رابعاً، يمكن التشكيك فى دقة بعض الأرقام وفى الترتيب النهائى للدول، لكن هذا لا ينفى أن الدول التى تتقدم فهى تتقدم لأسباب والدول التى تتخلف فهى تتخلف لأسباب. وعلينا أن نأخذ بالأسباب ولا نكتفى بالشعارات الفضفاضة. هناك استراتيجية 2030 وضعتها وزارة التخطيط لمستقبل مصر. طالعتها ووجدت فيها الكثير من الطموح المنضبط ولكن لا يمكن أن تؤتى ثمارها إلا بأن تتحول من رؤية وزارة إلى رؤية حكومة.

خامساً، إسرائيل ليست أكثر إسلاماً يقيناً، عكس ما تذهب الدراسة، لكنها أكثر التزاماً من معظم الدول ذات الأغلبية الإسلامية بمعايير الحكم الرشيد المتعارف عليها عالمياً. ورغماً عن عنصريتها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان العربى فإنها داخل إسرائيل وفى حدود الإسرائيليين أقل فساداً وأكثر شفافية وأكثر ديمقراطية وأكثر التزاماً بالقانون وإخضاعاً لجميع مواطنيها لنصوصه من الكثير من المجتمعات الأخرى المحيطة بها.

نحن، المسلمين، نعتز بديننا، لكننا لم نزل بعيدين عن الكثير من تعاليمه العظيمة. نحن لسنا متخلفين بسبب ديننا، ولكننا متخلفون لأننا نخالف منهجه الذى كان ينبغى أن نكون أولى به. هذه هى الرسالة الأهم من هذه الدراسة.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سؤال من دراسة هل إسرائيل أكثر إسلاماً سؤال من دراسة هل إسرائيل أكثر إسلاماً



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon