توقيت القاهرة المحلي 15:46:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طريقتان نجيدهما لصناعة الديكتاتور

  مصر اليوم -

طريقتان نجيدهما لصناعة الديكتاتور

معتز بالله عبد الفتاح

نظن أحياناً أن الطريق الوحيد لصناعة الديكتاتور هو المبالغة فى مدح شخصه ونسبه وشكله وكلماته وأفعاله وإشاراته فننتهى إلى ما قاله العامة فى نهاية مسرحية «الزعيم» للحاكم الجديد: «أنت الفارس وأنت الحارس أنت مفجر ثورة مارس، ابنِ لنا مستشفيات ومدارس، وقل للعفاريت حابس حابس». (شعر بهاء جاهين).
ولكن هناك طريقاً آخر نغفله أحياناً رغماً عن أنه يمكن أن يفضى إلى نتيجة أشرس وديكتاتورية أعنف وهو طريق «إشاعة الفوضى» سواء كانت فوضى الشائعات أو فوضى المبالغات أو فوضى القلاقل والاضطرابات.
وهذه ليست تقاليد مصرية فقط وإنما هكذا كان الحاكم الديكتاتور فيما يشبه «قانون قابل للتعميم». ولنعط مثلاً بـ«لويس الرابع عشر» كواحد من أواخر حكام أسرة البوربون فى فرنسا قبل الثورة الفرنسية. وكان رجلاً عزوفاً عن السياسة والحكمة فى فترة شبابه رغماً عن أنه كان بالفعل الملك، ولكن كان مهتماً بالآداب والفنون، وفى عهده تم بناء قصر فيرساى، لكنه ترك شئون الحكم لوزيره الأول. ولكن مع وفاة هذا الوزير ثم مع الاضطرابات الحادة فى عهده وصولاً إلى اقتتال أهلى بما أفضى إلى شلل فى إدارة الدولة وصولاً إلى تمرد الجنود، هنا ظهر الوجه الآخر لرجل لم يمكن يسمع إلا المديح من حاشيته ليصبح واحداً من رموز الاستبداد فى فرنسا بمقولته الشهيرة: «L’ÉTAT، C›EST MOI». أى «الدولة هى أنا». وكان ذلك فى إشارة منه لأنه لم يعد يعبأ بقوانين أو مؤسسات حكم أخرى فى الدولة. هو قرر أن يتبنى منطق فرعون: «مَا أُرِيكُمْ إلا مَا أَرَى».
ومن هنا كانت الثورات ضد أسرته والتى قضت على الديكتاتورية بعد مائة عام تقريباً على أربع مراحل.
وأرجو ألا يظن ظان أننى بهذه الكلمات أبرر استبداد المستبد أو ديكتاتورية الديكتاتور، ولكن علينا أن ندرك أننا نخلق المستبدين حين نبالغ فى مدحهم، وكذلك حين نبالغ فى ذمهم. أو كما قال المرحوم الشيخ الشعراوى:
لا توطن نفسك على المعارضة بلا إنصاف، فدوام الخلاف من الاعتساف.
ولا توطن نفسك على الموالاة بلا استحقاق، فدوام الوفاق من النفاق.
وهذه تحمل نفس معنى العبارة اليونانية القديمة التى يقول فيها الفيلسوف للأمير: «أنا ناصحك إن سألت، وأنا نصيرك إن عدلت، وأنا خصيمك إن ظلمت».
إنما أنا خصيمك دائماً، سواء أحسنت أو أسأت، أو أنا نصيرك دائماً سواء أحسنت أو أسأت، أنا سأعارضك دائماً بلا أى إنصاف وبكل اعتساف، أو أنا نصيرك دائماً بلا أى استحقاق وبكل نفاق. هذا هو الطريق الذى أشار إليه الكواكبى بقوله: «المستبد لا يحكم إلا مستبدين».
الثورة المصرية وما تبعها كشفت استبدادنا لنا، وأوضحت أن المعضلة لم تكن فقط «مبارك». كل ما فى القضية أن «مبارك» كان من السيطرة على مؤسسات القمع بحيث إنه كان المستبد الأكبر، وكان أغلبنا من الغفلة لدرجة أننا اخترنا أن نحيا وكأننا ضحايا، فى حين أننا لا نقل استبداداً عنه حتى وإن كانت قدرتنا على ممارسة الاستبداد مكبوتة لوجود المستبد الأكبر، أما وقد اختفى حكمه، فسعى الجميع للاستبداد بالجميع، ولهذا اعتبر أرسطو أن الديمقراطية نظام استبدادى، لأنه استبداد الدهماء الذين لا يحترمون القانون ولا يحترمون حقوق الآخرين. الديمقراطية من غير أخلاقياتها وقوانين عملها تعنى الفوضى، وستستمر الفوضى إلى أن يأتى مستبد جديد أو نعرف أننا مستبدون نخلق المستبدين.
الحكم فى مصر نوع من القهر المتبادل، والأشطر من يقهر أسرع وأكثر وأمهر. مع الأسف.
"الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طريقتان نجيدهما لصناعة الديكتاتور طريقتان نجيدهما لصناعة الديكتاتور



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon