معتز بالله عبد الفتاح
تعيش مدينة فيرجسون بولاية ميزورى الأمريكية ملمحاً من مشكلة نعيشها فى مصر خلال سنوات ما بعد الثورة، وهى «التظاهر العنيف» الذى تقابله الدولة بالقمع، مدعية أنها تفعل ذلك فى حدود القانون ومن أجل تحقيق الصالح العام.
وبالفعل أصيب شخص بجروح خطيرة واعتُقل سبعة أمس من المتظاهرين الذين قرروا تحدى قرار فرض حظر التجوّل، الذى أعلنه حاكم ولاية ميزورى فى بعض المناطق، ولعدد من ساعات الليل. وكل هذا نشأ بسبب اضطرابات ممتدة داخل المدينة احتجاجاً على قتل ضابط شرطة «أبيض» مراهقاً داكن البشرة. ولكن الاحتجاجات ذات الدوافع العرقية وأعمال السلب والنهب ارتفعت على نحو لم تشهده الولاية منذ فترات طويلة. وكانت الخشية أن يمتد الأمر إلى مناطق أخرى.
جزء من القصة يقول إن مائتى شخص تجمّعوا فى المنطقة التى قُتل فيها المراهق، داكن البشرة، مايكل براون (18 سنة)، متحدين أوامر حظر التجوّل. واستخدمت الشرطة مكبرات صوت لإنذار المحتجين بوجوب تفرّقهم، فيما وقف ضباط يحملون دروعاً وسط عربات مصفحة. تقول الشرطة الأمريكية إن شخصاً أُصيب بجروح خطرة بعد إطلاق نار عليه فى مطعم، مشيرة إلى اعتقال 7 أشخاص لتحدّيهم حظر التجوّل. وأضافت أن الشرطة أطلقت دخاناً ثم غازاً مسيلاً للدموع. وبعدما ساد هدوء نسبى، تجدّد التوتر فى فيرجسون، السبت، إذ اشتبكت الشرطة مع متظاهرين، إثر إعلانها أن «براون» يُشتبه فى تورطه فى عملية سرقة، ما أثار غضباً واستياءً فى سانت لويس، حيث استهدف محتجون محلات تجارية، بينها المتجر الذى ذكرت الشرطة أن «براون» سرق علبة سيجار منه.
تختلف رواية الشرطة عن رواية بعض الشهود بشأن لماذا حدث إطلاق الرصاص على الشاب «براون» أصلاً، لكن القصة لها أكثر من بُعد:
أولاً: المجتمع الأمريكى فيه من أسباب الصراع ما يفوق أضعاف ما يوجد فى مصر، لكن عندهم من المؤسسات المهنية ما يجعلهم قادرين على استيعاب وتفكيك أسباب هذه الصراعات. مثلاً فى القصة المذكورة، تدخُّل شرطة الولاية ثم المباحث الفيدرالية الأمريكية بإرسال محققين يجعل هناك مستويات مختلفة من التحقيق الذى يعطى انطباعاً بأن الظلم الذى قد يكون وقع من الوحدات الأدنى لن يتم التسامح معه فى المستويات الأعلى.
ثانياً: هناك محاولات جيدة من قِبل السلطات القائمة لاحتواء القمع وعدم السماح له بأن يستعدى المزيد من الأمريكان أصحاب الأصول الأفريقية، أهمها كان إعطاء مهمة إدارة العمليات على الأرض لضابط شرطة داكن البشرة هو الآخر، حتى يتراجع، ولو شكلياً، البعد العرقى فى الموضوع وأن تعلو الصورة الذهنية للشرطى الأمريكى المحترف أياً ما كان لون بشرته المطبق للقانون على الجميع أياً ما كان لون بشرتهم.
ثالثاً: حين ذاقت الولايات المتحدة بعضاً مما تعانى منه دول مثل مصر، لجأت لأساليب فض الاشتباك، بل وحظر التجول وقمع التظاهر. ولكن قوات الشرطة عندهم فعلت ذلك بمهنية وحرفية وشفافية أكثر كثيراً مما يحدث فى مصر. ولا يمكن الاحتجاج بنقص الإمكانات وقلة عدد ضباط الشرطة لتبرير أى انتهاك لحقوق الإنسان فى مصر. ولكن فى نفس الوقت لا يجوز للولايات المتحدة أن تنصب نفسها المتحدث الرسمى باسم «حقوق الإنسان» على الأرض، فى حين أنها تلجأ لنفس الأساليب التى تعترض عليها حين تلجأ إليها الدول الأخرى.
رابعاً: نسبة ضباط الشرطة، ولا أتحدث عن أفراد الأمن من مجندين وأمناء شرطة، إلى جموع المصريين أقل من المتوسط العالمى بنسبة تجعلنا بحاجة لأن يتضاعف عدد ضباط الشرطة عشر مرات. وهذا جزء من المعضلة التى نعيشها أنك مطالب بإصلاح جهاز شرطة هو أصلاً قبل الإصلاح يحتاج إلى زيادة عدد ضباطه، وليس أفراده المدربين أكاديمياً وعملياً إلى أضعاف ما هو عليه.
خامساً: ستستخدم حادثة ميزورى وتداعياتها كحجة مضادة لمحاولات الولايات المتحدة تصوير نفسها وكأنها الراعية الرسمية لحقوق الإنسان فى العالم.